Page 111 - merit 47
P. 111

‫نون النسوة ‪1 0 9‬‬

‫سيجموند فرويد‬     ‫جاك لاكان‬                             ‫ازدهرت في رؤى الابنة تلك الأحاسيس العميقة‬
                                                    ‫بالحب والحياة‪ ،‬وأي ًضا برفض القيود والسعي وراء‬
   ‫تراها تذوب أمامها في أي مرآة أو زجاج معتم‬        ‫التجربة والحرية‪ ،‬لكنها كانت محظوظة حين توقفت‬
                            ‫كما كانت تفعل»(‪.)14‬‬
                                                        ‫أمام هذه الانعكاس موقف المتأمل‪ ،‬وحين قرأت‬
   ‫تؤكد ابنة الاخ أن العمة ذابت في المرآة وتلاشت‪،‬‬      ‫مذكرات العمة ووجدت استسلامها التام لذوبان‬
   ‫فيما يتمسك الآخرون بقصة أخرى وهي هروب‬               ‫روحها‪ ،‬فبدأت ملامح هويتها بالتغير عبر وعيها‬
                                                        ‫بنفسها‪ ،‬توقفت عن التماهي مع العمة المنبوذة‪،‬‬
     ‫العمة وفرارها من عالم يئست منه وفشلت في‬        ‫وحاولت أن تجد هويتها الخاصة‪ ،‬دون النظر بمرآة‬
      ‫التعامل معه‪ ،‬الابنة كاميليا كانت تجد نفسها‬       ‫العمة‪« :‬عملت بكل جهدها لتؤمن لنفسها دخ ًل‬
 ‫تشترك مع عمتها في المظهر والسلوك‪ ،‬هذا التشابه‬       ‫يكفي للانتقال من الشقة الصغيرة التي تعيش‬
 ‫الذي كان يخيف أبيها ويجعله يتعامل معها بقسوة‬
       ‫وجفاء‪ ،‬لكنه في إشارة في رواية تحدد لحظة‬            ‫فيها مع فتاتين أخريين في شارع مصطفى‬
 ‫تحول الهوية ينتبه إلى أن النظرة المتحدية في عيني‬     ‫النحاس إلى شقة خاصة يمكنها فيها أن تجلب‬
 ‫كاميليا الابنة ‪-‬التي كان يشاهدها في عيني كاميليا‬
                                                                              ‫ألمها للعيش معها»(‪.)12‬‬
                            ‫شقيقته‪ -‬قد تغيرت‪.‬‬       ‫رغم علاقتها المتوترة بالأم لكنها في النهاية ستصل‬
   ‫استندت هذه التحولات على تقنية المرايا للفصل‬      ‫إلى منطقة آمنة ومتعاطفة معها بعد أن استقرت هي‬
    ‫بين النظرة إلى الذات بوصفها انعكا ًسا لصورة‬      ‫من الداخل وشعرت بذاتها دون إثم وخطايا العمة‪.‬‬
                                                    ‫كانت هذه (المرآة) وحكاية ذوبان العمة فيها وسيلة‬
     ‫العمة الاجتماعية والنفسية‪ ،‬والنظرة إلى الذات‬
  ‫بوصفها صورة مغايرة أقرب للواقع وأكثر قدرة‬             ‫رواية (أطياف كاميليا) لخلق إجابات عن أسئلة‬
‫على التعامل‪ ،‬تواصلت هذه الرواية مع البنية العميقة‬        ‫ملحة مثل أسئلة من قبيل‪ :‬صلاح الحب في كل‬
  ‫من القيم الاجتماعية القا َّرة بطريقة بسيطة وبلغة‬   ‫الأحوال‪ ،‬إثم المرأة في كل الأحوال‪ ،‬نزعات الإنسان‬
  ‫سلسلة وشيقة‪ ،‬مع تمريرها لرسالة مشجعة على‬             ‫وهواجسه في الخير والشر وفي القوة والضعف‪،‬‬
                                                    ‫انكساره وتهميشه تحت عجلة ضخمة اسمها تقاليد‬
      ‫المقاومة واقتراح وسائل مجدية للتعامل معها‬        ‫المجتمع‪ ،‬تساوي المرأة والرجل بنصيبهم من تلك‬
                                                      ‫القيود‪ ،‬كل هذه الأسئلة كانت عبر افتراض خيالي‬
                                                     ‫لتداخل الهوية «والروائي إن لم يتلق إجابات كافية‬
                                                     ‫من النص‪ ،‬تسد نهمه في تخيل الأشياء وتصورها‪،‬‬
                                                         ‫يعمل على اصطناعها افتراضيًّا‪ ،‬مختل ًقا أسبا ًبا‬
                                                        ‫وعل ًل تتناسب مع طموحه في التحول والانتقال‬

                                                                                         ‫المعرفي»(‪.)13‬‬
                                                    ‫استعملت هذه الرواية مفردة المرآة والضوء بطريقة‬

                                                      ‫متناسبة مع الفكرة‪ ،‬فجعلت منها مدخ ًل يستدرج‬
                                                     ‫القارئ في قصة التشابه استدرا ًجا تا ًّما حتي يفيق‬
                                                    ‫منها باختلاف المواقف والأفكار‪ ،‬الابنة التي امتلكت‬
                                                       ‫قرار ذاتها ولم تسمح لشيء باستعبادها‪ :‬لا حب‬

                                                       ‫ولا زواج ولا حتى أفكار متمردة غير قادرة على‬
                                                      ‫قيادتها إلى بر أمان ونجاة‪« :‬كان الضوء الخافت‬

                                                       ‫لشمس المغيب يتسلل من الشرفة يضفي على‬
                                                      ‫وجهها جما ًل مختل ًفا كل يوم‪ ،‬لاحظت أنها منذ‬

                                                        ‫زمن بعيد لم تر طيف عمتها في انعكاسها‪ ،‬لا‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116