Page 115 - merit 47
P. 115

‫نون النسوة ‪1 1 3‬‬                                     ‫والابتسام‪ .‬أما أبوها فكانت قسوته تزداد كلما‬
                                                       ‫كبرت‪ ،‬كلما رآها تتحول إلى أنثى‪ ،‬إلى نسخة‬
    ‫فكان البوح الخيط السردي التالي الذي نجحت‬
 ‫كاميليا في فكه ليكشف أبعا ًدا جديدة لا لشخصية‬       ‫أخرى من أخته‪ ،‬دائ ًما ينظر إليها بخوف‪ ،‬نفس‬
 ‫عمتها وحدها‪ ،‬وإنما لعالمها المحيط بها بأكمله‪ ،‬ولا‬   ‫الخوف الذي رأته يوم وجدها تحدق في المرآة»‬
  ‫تتوقف قدرتها في تشكيل البنية السردية عند هذا‬
                                                                                            ‫ص‪.12‬‬
    ‫الحد بل أضافت بع ًدا آخر حيث أخذت تستكمل‬         ‫لقد منحت كاميليا في لحظة غيابها ابنة أخيها آخر‬
    ‫فك الخيوط عبر تقنية البحث والتساؤل فكانت‬
   ‫المواجهة مع زوج عمتها جز ًءا أساسيًّا كذلك من‬        ‫ما تبقى لها في هذا العالم من نسختها الحقيقية‬
 ‫فك خيوط القصة وتشكلها في آن «أعادت سؤالها‬               ‫علَّها تحصل هي على ما افتقدته‪ ،‬ذاقت كاميليا‬
 ‫عن عمتها‪ ،‬كان يمسح رأسه بيده‪ ،‬أخي ًرا أخرج‬          ‫مرارة القيد في حياتها فأخذت تفكه عن ابنة أخيها‬
   ‫من الحقيبة كاميرا صغيرة رقمية عتيقة‪ ،‬من‬               ‫حتى تهب لها حياة حقيقية منذ لحظة ولادتها‬
    ‫النوع الذي يعمل ببطارية جافة‪ ،‬وسي دي‬              ‫«كانت زرقاء تما ًما وساكنة‪ ،‬أدركت عمتها أن‬
     ‫في علبته الشفافة ووضعهما أمامها‪ - .‬هذه‬          ‫الحبل ال ُّسري ملتف حول رقبتها‪ ،‬وأنه يمنعها‬
  ‫الكاميرا تخص عمتك‪ ،‬أعتقد أنك أحق شخص‬                 ‫من التنفس‪ ،‬فحملتها بين يديها‪ ،‬وعكفت على‬
‫بها‪ .‬وهذه‪ ..‬أمسك علبة السي دي بيده وناولها‬              ‫حله‪ ،‬يكمل أبوها سرد الحكاية‪ ،‬كان يستغل‬
     ‫لها‪ - .‬هذا تسجيل صوتي لي‪ ،‬أحكي كل ما‬              ‫أي فرصة للحديث عن شقيقته‪ ،‬تسرح عيناه‬
  ‫تريدين معرفته‪ ،‬حكيت كل التفاصيل وكأنني‬            ‫ويبتسم وكأنه يراها أمامه‪ ،‬يصف لابنته المشهد‬
‫أحكي لنفسي‪ .‬الحقيقة أنني بدأت وفي ذهني أن‬             ‫بالتفصيل الممل‪ ،‬يخبرها أن عمتها كانت تبكي‬
 ‫أخبرك بالأمور الأساسية فقط‪ ،‬لكنني لا أعرف‬               ‫وهي تفك الحبل روي ًدا روي ًدا‪ ،‬فيعود اللون‬
‫كيف استمررت في التحدث بهذا الشكل‪ ،‬وأدركت‬            ‫الوردي إلى بشرتها‪ ،‬عندما انتهت‪ ،‬ظلت تضرب‬
 ‫أنني لم أح ِك لأحد منذ رحيل عمتك ما أشعر به‬        ‫وجنتيها برفق حتى انفجرت في البكاء» ص‪-10‬‬
  ‫ح ًّقا‪ ،‬الحقيقة أن ِك أسديت إل َّي خدمة» ص‪.133‬‬      ‫‪ ،11‬وهبتها عمتها القدرة على الحياة وحررتها من‬
     ‫كانت المذكرات تقنية سردية مكثفة ومركزية‪،‬‬           ‫القيد لتدرك قيمة التحرر منذ لحظة تشكلها‪ ،‬لم‬
  ‫فالحكي والتكشف يأتي عبر المذكرات التي تحيل‬          ‫تنفد القيود لكنها امتلكت إحسا ًسا واعيًا وإدرا ًكا‬
‫إلى أحداث حياة عمتها وتكشف المُضمر منها وترى‬        ‫بثقلها ورغبة في فكها «كان جسمها يبدو مسكو ًنا‬
     ‫من خلالها الوجه الآخر لها‪ ،‬المغاير لما يكشفه‬       ‫بروح أخرى تتوق للتحرر‪ ،‬كلما ضاقت بها‬
  ‫بوح الشخصيات من حولها عن عمتها‪ ،‬كما كانت‬            ‫الدنيا تذكرت قصة والدتها‪ ،‬والقيد الذي فكته‬
 ‫المذكرات الخيط المتبقي الواصل بينها وبين عمتها‪،‬‬       ‫عمتها عن عنقها‪ ،‬وتمنت لو تظهر مرة أخرى‬
  ‫تستطيع من خلاله أن تمنحها جرعات أخرى من‬            ‫وتفك قيودها الحالية من حول جميع أطرافها‪،‬‬
‫التحرر «منذ اليوم الذي وجد فيه أبوها مذكرات‬         ‫لو تعود من المرآة وتنقذها‪ ،‬أو تأخذها معها إلى‬
 ‫عمتها‪ ،‬وكاميليا تحظى ببعض الحرية التي لم‬
‫تنلها من قبل‪ .‬لم يعد ينتظرها في الشرفة عندما‬                                        ‫داخلها» ص‪.13‬‬
      ‫تتأخر خمس دقائق عن ميعاد عودتها من‬                 ‫على المستوى السردي كانت كاميليا الصغرى‬
  ‫الدرس أو المدرسة‪ ،‬لم يعد يقتحم غرفتها كما‬             ‫ذات الحضور المُتجسد هي التي تفك القيود عن‬
 ‫في السابق‪ ،‬حتى سبابه الدائم قل‪ ،‬كان يحاول‬            ‫قصة عمتها الحاضرة في غيابها‪ ،‬هي التي تمسك‬
 ‫التحكم في نفسه أكثر‪ ،‬يحمر وجهه من الغضب‬             ‫بخيوط قصتها وتتعقبها لتتشكل من خلالها أبعاد‬
  ‫أحيا ًنا ويبدو كما لو كان سينفجر‪ ،‬لكنه يجز‬              ‫شخصيتها؛ حيث بدأت بالبحث والتنقيب عن‬
   ‫على أسنانه ويضم قبضة يده‪ ،‬يشيح بوجهه‬             ‫مذكرات عمتها فكانت هي البوابة السردية المركزية‬
   ‫بعي ًدا عنها‪ ،‬أو يلقي ببعض الكلمات لأمها ثم‬             ‫التي تتكشف من خلالها الشخصية وتتوالى‬
                                                    ‫الأحداث‪ ،‬من هذا الخيط انتقلت كاميليا لتفك الخيط‬
                ‫يحبس نفسه في غرفته» ص‪.84‬‬            ‫الآخر حيث كان ظهور المذكرات مثي ًرا للشخصيات‪،‬‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120