Page 68 - merit 45
P. 68

‫العـدد ‪45‬‬                                                                     ‫‪66‬‬

                                                             ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫مؤمن سمير‬

‫وسط سوق الشياطين‬

   ‫و ُم ْد َي ُت ُه التي ينتصر بها على ريبة الأسواق‪ ..‬أنا‪..‬‬             ‫ِق ْر َب ٌة من النور‬
  ‫أنا‪ ..‬أنا بردا ٌن بدون نو ِر ِك يا حبيبتي‪ ،‬أنا ظلا ٌم في‬
 ‫طب ِق غو ٍل يقلِ ُب النها َر لي ًل كلما َت َثا َء َب أو َع َّض نبي ًة‬  ‫التي َه َربت لما فاجأها النو ُر وهي تبكي في‬  ‫حبيبتي‬
 ‫كانت وحيد ًة مع طفلها وهالتِ ِه‪ ،‬خلف الجبل الكبير‪..‬‬                      ‫صارت هد ًفا للعفاريت‪َ ،‬ف َتحوا لها قلبها‬   ‫الحديق ِة‬

     ‫هنا ال َس َرا ُب هنا رني ُن الغفران‬                                ‫فشافتني من تحت ملابسي حشر ًة سوداء تهت ُّز بلا‬
                                                                        ‫فائدة‪ ..‬الأشبا ُح المحظوظون‪ ،‬لم يتعبوا أو يلهثوا‬
‫أري ُد أن أحكي وأتكل َم كثي ًرا‪ ،‬مع حبيبتي القديم ِة التي‬                    ‫بل وجدوا داخلها ظامئًا ومستع ًدا بالصراخ في‬
‫َأ ْق َس َمت أنها رأتني ظ ًّل عجو ًزا ومثقو ًبا ساعة هرب ُت‬                 ‫ساحاتنا‪ ،‬نح ُن ال ُق َسا ُة الذين ُي ْعتِمو َن كل رقص ٍة‬
                                                                          ‫ويضعون المُلا َء َة ويضغطو َن بيقي ٍن فتختنق‪ ..‬لك َّن‬
   ‫من حضنها‪ ..‬أو ُّد أن أصف لها حالي وسط سوق‬                            ‫ال ِظ َّل الذي ينك ُر الخي َر كاف ٌر وجا ِح ْد‪ ،‬فأنا والحمد لله‬
    ‫الشياطين الذي ُخلِ َق فجأ ًة أمام بيتها‪ ..‬وأن أنقل‬                  ‫علم ُت ال ِس َّر في لحظة اختلاء الحز ِن بي ورا َء المنز ِل‪،‬‬
    ‫لها رنين الغابة التي ُت َعلِّ ُق على جانبيها الأصوا ِت‬                ‫أدرك ُت بأن النو َر هو لعب ُت َك أيها الشيطان‪ ،‬تتسلل‬
     ‫التي تضح ُك ثم تبكي‪ ..‬ثم أبته ُل ألا أنسى البئر‬                    ‫للخلاء مبك ًرا قبل أن تتنف َس الأر ُض‪ ،‬وتكور ُه في‬
 ‫التي اقت َر ْب ُت منها ببراء ِة طف ٍل فعادت بجع ًة تقف ُز في‬           ‫قبضت َك‪ ،‬وتعجن منه بحا ًرا أو طينًا مخط ًطا لام ًعا‬
   ‫الصور ِة‪ ..‬أو ُّد أن أقو َل وأقول في أذنك يا حبيبتي‬                  ‫أو حتى ورد ًة في كأس‪ ..‬وفي أيا ٍم أخرى يحلو ل َك‬
‫حتى ُي َب َّح صوتي و َت ْح َم َّر أذنا ِك فآكلهما وأن ِت ُت ْرخين‬       ‫أن تفر َد ُه في حقو ٍل أبعد من النه ِر ثم تثق َب ُه وتحشو‬
  ‫ال ِس ِّكي َن ثم تبتسمين‪ ..‬أو ُّد أن أب ِّر َئ نفسي يا ناس‬            ‫الثقو َب بالخوف والموت‪ ،‬تجعل ال َس َواد يغزو الطريق‬
    ‫لأعو َد إنسا ًنا يفر ُح ويغني ويطير‪ ..‬لك َّن الفرص َة‬                 ‫كلها وال ُحف َر والسحا َب ثم تضحك‪ ..‬النو ُر ثقي ٌل في‬
  ‫ضاعت للأسف والوق َت فات‪ ..‬أحلم كثي ًرا بأن أبي‬                         ‫الحقيقة ويمل ُأ أجول ًة وبيو ًتا وذكريا ٍت تخ ُّص الذين‬
   ‫الميت عاد من ضوضا ِئ ِه من أجلي أنا‪ ،‬من أج ِل أن‬                     ‫غاصوا للبحث عن الصمت الصافي بالأسفل‪ ..‬هو‬
‫يتابع فمي وهو ينطلق كالشلال‪ ،‬وأنني قل ُت و َح َك ْي ُت‬                     ‫ُمغا ِم ٌر كذلك و َملو ٌل على الأرجح‪َ ،‬يش ُّد ِج ْل َد ُه كلما‬
  ‫وأيقظ ُت حرو َف قسوتي معه وذبحتها تحت قدمي ِه‬                         ‫مرت سحاب ُة الأعياد ويصير خفي ًفا‪ ،‬يطي ُر ويقول أنا‬
 ‫واح ًدا واح ًدا‪ ..‬لك َّن الفرص َة ضاعت للأسف والوق َت‬
                                                                          ‫أص ُل الغابا ِت قري ُب ال َج ِّد الأول‪ ..‬أنا طعا ُم الغري ِب‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73