Page 63 - merit 45
P. 63
61 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
للناس مسروقاتهم .إنها ليست مجرد شجرة عادية إن شجرة أم النذور وفق تمثلات هذه الزمرة من
قط ،بل قد تكون شجرة بصفات الألوهة ما دامت الناس تحمل معها عبق التاريخ ويشم من خلالها
بركتها تمس الجميع ويستفيد منها الكل. هؤلاء رائحة البركة بنسيمها العطر وبعدها الغارق
في الأحلام الوردية ،يقول السارد في هذا الصدد:
إن الروائي عبد الرحمن منيف يضعنا أمام إشكالية
عويصة وكبرى تعبر عن مدى التسطيح والتبليد «هذه الشجرة المقدسة ،أو كما يسميها أعداؤها
الذي يعيش في ظله العقل الشرقي في زمن العقل (أم الخرق) ،هي نفسها التي يسميها المؤمنون
بالشيخ وبركاته (أم النذور) .تقوم على باب التكية
والعقلانية والحداثة والعولمة ،في الوقت الذي تعيش منذ وقت طويل ،يحيط بها حوض دائري صغير،
فيه أوروبا ثورة تقنية آلية وطفرة تكنولوجية لا يزيد عن ساقها إلا قلي ًل .وعلى أطراف الحوض
متسارعة ،لكن شردمة من الناس هنا في المشرق صفت حجارة ملساء .ويؤكد الحاج درويش
لا زالت تعتقد أن شجرة مباركة تعيد المسروقات وأناس آخرون أن الولي صاحب البركات الشيخ
مجيب ذاته ،هو الذي غرس الشجرة وأقام حولها
وتجعل المرأة العاقر تلد.
تتجاوز شجرة أم النذور كل الخوارق كما الحوض!»(.)7
يصفها أهلها المؤمنون والمعتقدون بقدرتها على
فعل المستحيلات وتجاوز كل التوقعات ،يقول شجرة البركة
السارد إن« :أم حسن ولدت ولدين بعد سبع بنات وسبات العقل والإيمان بالخوارق
عندما أخلصت نيتها للشيخ وقدمت النذر (فاطمة
الخرساء أصبحت تنطق ببعض الكلمات وتفهم كل يحلل الروائي عبد الرحمن منيف في عالمه الروائي
ما يقال لها منذ أن أكلت لحم الهدهد الذي أعطته ظاهرة خطيرة تمخر عباب جسد الأمة العربية
لها الحاجة نعيمة ،وبعد أن بيتته ليلة كاملة عند أم
والإنسان المشرقي ،فالأكثر فداحة ربما هو كون
النذور)»(.)10 نساء هذه القبيلة تعلق آما ًل كبيرة على بركة الولي
تستطيع شجرة النذور في مخيال هؤلاء أن تجعل التي تتجسد في ثمار هذه الشجرة ،ويوضح السارد
فاطمة الخرساء تنطق والسبب هو أكل لحم الهدهد
هذا بقوله« :أما النساء فيرون قص ًصا لا تنتهي
الذي أعطته لها الحاجة نعيمة بعد أن بيتته ليلة عن ثمار هذه الشجرة (كانت ثمارها أكثر من
كاملة عند أم النذور ،فيا له من عالم سحري خيالي
أوراقها) (كانت الثمار بحجم البيض) (وهذه الثمار
لا يصدقه العقل يتسم بفعل الخوارق. تشفي من الأمراض وتعيد المسافرين وتكشف
يضطلع عالم رواية أم النذور بعدة صفات
وخروقات للعقل والعقلانية والسبب وراء ذلك المسروقات)»( .)8كما أن« :القصص التي تروى عن
بركة الشيخ مجيب التي تتمثل في شجرة أم النذور، الأماني المستجابة كثيرة ومتداخلة ،حتى أن بركات
«فالجامع وأم الخرق والشيخ زكي وأمور الحي
كلها ،كانت تبدو راسخة بجلالها وصدقها ذات يوم الشيخ وأم النذور أصابت الجميع!»(.)9
لهذا الفتى الذي كان قد فتح عينيه فرأى الطيور لعل الملاحظ أن رمزية هذه الشجرة ثقافيًّا
تقفز بسرور فوق أشجار الدلب والجوز ،ورأى وإيديولوجيًّا واجتماعيًّا في مخيال هؤلاء النساء
النهر بمائه الداكن وكأنه يحمل أسرار الأماكن والرجال الذين يؤمنون بها ،وهذا ينتمي في الحقيقة
البعيدة .ثم إذا سار قلي ًل وتوقف عند أم النذور لعالم الخوارق ،فهذه الشجرة في مخيالهم الثقافي
رأى النسوة يربطن الخرق والخيوط ،وقد غشى المستمد من الثقافة الشعبية ثمارها تشفي من
الدمع عيونهن ،وصعدت الزفرات من صدورهن الأمراض وتعيد المسافرين وتكشف المسروقات
حا َّرة معذبة .ورأى الشجرة ،وقد زالت عنها ومن يركع للتبرك فيها أمانيه مستجابة ،ناهيك عن
الصلابة والخرق البالية ،وأصبحت مثل إله يبتسم كون بركات الشيخ مجيب وثمار شجرة أم النذور
بطيبة ،ويضع راحته على الرؤوس المتعبة»(.)11 تصيب الجميع وتبارك لأهل القرية جميع أمانيهم،
ولها قدرة كاشفة عن عالم الغيب بحيث تعيد