Page 62 - merit 45
P. 62
لعل الروائي عبر الرحمن منيف غني
عن التعريف كواحد من عباقرة الرواية
العربية الحديثة ،كيف لا وأعماله
تتحدث عنه في عمقها الفكري
وقدرتها على معالجة ثيمات وقضايا
عميقة وخطيرة تمس جمالية ورصانة
ثقافتنا العربية التي يمخر عباب
جسدها وروحها وقيمها وأصالتها
محمد أركون الجهل المقدس والمؤسس بتعبير
فأي عقل هذا؟ وأي مجتمع يعيش في ظل المفكر الجزائري محمد أركون.
التراجع الفكري والتخلف الاجتماعي؟ إن
المعبود الوحيد هو الله رب العالمين ،ومنه فكرة إسناد البركة إلى كائن بشري ومدى
نترجى الرحمة والبركة وبعد ذلك الأنبياء تصديق المجتمع الشرقي لذلك ،والتي تمتزج بأبعاد
والرسل وتحصين الإنسان لنفسه بدينه ومعتقده
دينية محضة ،وهنا يتعلق الأمر بالشيخ مجيب،
الذي يدين به ،فهذا أمر كاف وما عدا ذلك فهو حيث يقول عنه السارد في هذا السياق« :لا أحد من
بؤس حضاري للشرق والأمة العربية في عصر الأحياء يعرف الشيخ مجيب ،رغم أن القصص التي
العلم والتقنية والعقل والعقلانية. تروى عنه كثيرة .يقول بعضهم إنه عراقي ،جاء
واستقر في هذه المدينة ،وكان رج ًل تقيًّا وله بركات
علاقة الدين بالخرافات
والعادات والشعوذة لا تحصى ،وهو الذي غرس أشجار الدلب وأقام
هذا المزار»(.)6
لقد اتسم عبد الرحمن منيف في عالمه الروائي
بنوع من الذكاء النقدي ،حيث ربط استمداد الناس يتضح بجلاء من خلال هذا المقطع السردي مدى
هشاشة العقل الشرقي ،حيث من اليسير عليهم
معرفتهم بالشيخ مجيب بعالم هش لا يقيني تصديق كون رجل من الرجال له بركة وترك مزا ًرا
يتصف بالرواية ونقل الآراء دون سند علمي ،فهم يمكن للناس زيارته للتمني والرجاء بخصوص
مشاكلهم وحل أزماتهم التي يتخبطون فيها ،مع
لا يعرفون ُه ِو َّية الشيخ مجيب ،أهو عراقي أم العلم أن هذه الأزمات ذات طابع اجتماعي اقتصادي
مغربي أم هوية أخرى ،فانتماؤه الهوياتي مجهول نفسي ،إذا لم يستطع العلم حلها والعقل تفكيك
مواطن النقص فيها لإيجاد حلول لها فلا يمكن أن
ومع ذلك يؤمنون ببركته وخوارقه ،فهم سمعوا يوجد لها حل عند رجل له بركة كما يدعي أهل
وأطاعوا دون أن يروا ،وآمنوا دون حجة ببركته، هذه القرية ،بل الأكثر من ذلك مزار لشخص ميت
ترك شجرة تدعى «أم النذور» يعلقون عليها آمالهم
فجعلوا شجرة أم النذور موطنًا للبركة وطلب ويترجون فيها بركة الولي لحل مشاكلهم الكثيرة.
المستحيل الذي كان ممكنًا بالعلم والعقل ورجاء الله
الذي يستطيع فعل الخوارق وليس البشر (الشيخ
مجيب).