Page 59 - merit 45

‫‪57‬‬ ‫إبداع ومبدعون‬

‫رؤى نقدية‬

‫أسامة حمدوش‬

‫(المغرب)*‬

‫تجليات الثقافة الشعبية‬

‫وصناعة الأساطير المقدسة‪..‬‬

‫دراسة في رواية أم الندور‬

‫لعبد الرحمن منيف‬

‫الجامع وأم الخرق والشيخ زكي وأمور الحي كلها‪ ،‬كانت تبدو راسخة‬
‫بجلالها وصدقها ذات يوم لهذا الفتى الذي كان قد فتح عينيه فرأى‬
‫الطيور تقفز بسرور فوق أشجار الدلب والجوز‪ ،‬ورأى النهر بمائه‬
‫الداكن وكأنه يحمل أسرار الأماكن البعيدة‪ .‬ثم إذا سار قلي ًل وتوقف‬

‫عند أم النذور رأى النسوة يربطن الخرق والخيوط‪ ،‬وقد غشى الدمع‬
‫عيونهن‪ ،‬وصعدت الزفرات من صدورهن حا َّرة معذبة‪ .‬ورأى الشجرة‪،‬‬

‫وقد زالت عنها الصلابة والخرق البالية‪ ،‬وأصبحت مثل إله يبتسم‬
‫بطيبة‪ ،‬ويضع راحته على الرؤوس المتعبة‪.‬‬

‫الإسلامي المرتبط بها يمثل الهوية الحضارية للأمة‬ ‫الفكرة الجوهرية في هذا المقال في كون‬ ‫تتمثل‬
‫العربية من جهة‪ ،‬كما يمثل تحد ًيا وسلطة واستبدا ًدا‬ ‫الرواية هي الأم الرؤوم والحاضنة لجميع‬
‫لأجيال تعاقبت عليها‪ ،‬حتى صارت تقبع في محراب‬
‫العلوم والثقافات والعادات والتقاليد‪،‬‬
‫المسلمات والبديهيات التي لا تقبل المساس ولا‬ ‫فهي جزء لا يتجزأ من مسرحية كبيرة‬
‫التغيير ولا التكيف مع متطلبات عصرنا الجديد‪،‬‬ ‫هي مسرحية المجتمع‪ ،‬ولا ريب أن صور‬
‫والذي يبدو أنه تأثر بالتنوير الأوروبي وطغيان‬ ‫المجتمع تتوالد وتتناسل وتلد في فراش‬
‫الفلسفات الرأسمالية والمجتمعات الصناعية التي‬ ‫الرواية وتعيش جنبًا إلى جنب تحت سقف هموم‬
‫تغلب العقلانية على الوجدان‪ ،‬والتفكير على التسليم‬ ‫وتحديات وآمال وآلام وأحلام وطموحات المجتمع‪.‬‬
‫بفكرة معينة على أساس تقديسها والإيمان بها دون‬
‫وتتجسد جدة هذا الطرح النقدي ذي الملامح‬
‫مساس ولا تغيير مع ما ينسجم مع العصر‪.‬‬ ‫الثقافية في دراسة تجليات المخيال الثقافي والمتمثل‬
‫في الثقافة الشعبية‪ ،‬باعتبارها مزي ًجا من الطقوس‬
‫الثقافة‪ ،‬معناها وماهيتها‬ ‫والعادات والتقاليد المتوارثة في الثقافة العربية من‬
‫منظور النص الروائي العربي عند عبقري الرواية‬
‫شكل مفهوم الثقافة ولا يزال لحدود اليوم تحد ًيا‬
‫معرفيًّا عصيًّا عن الحصر والتحديد‪ ،‬لذلك فالثقافة‬ ‫العربية الروائي عبد الرحمن منيف‪.‬‬
‫في واقع الحال إن الثقافة الشعبية وسلطة الدين‬