Page 56 - merit 45
P. 56

‫معين وشكل معين‪ ،‬فإن في طباعه مبدأ‬                      ‫كانت كتب التراث العربي في‬
‫استيجاب ذلك‪ ،‬وليست المعاوقة للجسم بما‬
                                                         ‫علم الفيزياء‪ ،‬زاخرة بالاستعارات‬
 ‫هو جسم‪ ،‬بل بمعنى فيه يطلب البقاء على‬
                                 ‫حاله»‪.‬‬                    ‫والتشبيهات نظًرا لعدم نضج‬
                                                     ‫فكرة المعادلات الرياضية والأشكال‬
   ‫ملاحظين الاستعارات التي أوردها ابن‬
   ‫سينا؛ كطباع الجسم‪ ،‬واستجابته وطلب‬                     ‫البيانية‪ ،‬والرسومات التوضيحية‬
                                                         ‫والصور‪ ،‬ولذا كان ال ُكتاب العرب‬
                                 ‫البقاء‪.‬‬              ‫يصفون الظواهر وص ًفا يقترب من‬
  ‫أما القانون الثاني للحركة لنيوتن‪ ،‬والذي‬
                                                       ‫الكتابة الأدبية‪ ،‬وقد توصل العرب‬
     ‫معادلته الرياضية (مجـ ق = ك×جـ)‬
 ‫حيث‪ :‬ك كتلة الجسم‪ ،‬وجـ عجلة الحركة‪،‬‬                    ‫إلى قوانين الحركة قبل أن يصل‬

     ‫فالنص اللغوي الحديث له‪« :‬إن القوة‬               ‫إليها نيوتن قبل سبعمائة عام من‬
 ‫اللازمة للحركة تتناسب تناسبًا طرد ًّيا مع‬
                                                               ‫سقوط التفاحة على رأسه!‬
   ‫ك ٍّل من كتلة الجسم وتسارعه‪ ،‬وبالتالي‬
      ‫فإنها ُتقاس كحاصل ضرب الكتلة ×‬                 ‫المعادلات الرياضية والأشكال البيانية‪ ،‬والرسومات‬
                                                          ‫التوضيحية والصور‪ ،‬ولذا كان ال ُكتاب العرب‬
   ‫التسارع‪ ،‬بحيث يكون التسارع في نفس‬
  ‫اتجاه القوة وعلى خط ميلها»‪ ،‬وفي الكتابة‬             ‫يصفون الظواهر وص ًفا يقترب من الكتابة الأدبية‪،‬‬
   ‫العلمية العربية القديمة التي تخلو آنذاك‬           ‫وقد توصل العرب إلى قوانين الحركة قبل أن يصل‬
‫من الاستعانات الأخرى كالمعادلة الرياضية‬
  ‫الجبرية‪ ،‬فنرى كثرة الاستعارات مثل ما‬                 ‫إليها نيوتن قبل سبعمائة عام من سقوط التفاحة‬
‫ورد في كتاب (المعت َبر في الحكمة) لهبة الله‬               ‫على رأسه أو أمامه؛ سيان‪ ،‬لكنهم بنوا فكرتهم‬
 ‫بن ملكا البغدادي‪« :‬وكل حركة ففي زمان‬
                                                     ‫العلمية متكئين ومتوكلين على اللغة فقط‪:‬؛ فالقانون‬
    ‫لا محالة‪ ،‬فالقوة الأش ُّد ُتح ِّرك أسرع وفي زمن‬      ‫الذي نسميه الآن القانون الأول لنيوتن‪ ،‬والذي‬
‫أقصر‪ ..‬فكلما اشتدت القوة ازدادت السرعة فقصر‬                ‫يعبر عنه رياضيًّا بالجملة (مجـ ق = صفر)‪،‬‬
  ‫الزمان‪ ،‬فإذا لم تتناه الشدة لم تتناه السرعة‪ ،‬وفي‬
                                                        ‫حيث‪ :‬مجـ ق تمثل محصلة القوى الخالصة على‬
   ‫ذلك تصير الحركة في غير زمان أشد؛ لأن سلب‬              ‫الجسم‪ ،‬وينص القانون باللغة المعاصرة على أن‬
              ‫الزمان في السرعة نهاية ما للشدة»‪.‬‬        ‫«الجسم يبقى على ما هو عليه في حالة سكون أو‬
                                                      ‫في حالة منتظمة في خط مستقيم ما لم ُتجبره قوى‬
   ‫أما القانون الثالث للحركة الذي ينص على‪« :‬لكل‬       ‫خارجية على تغيير هذه الحالة»‪ ،‬فقد ورد في كتاب‬
    ‫فعل رد فعل‪ ،‬مسا ٍو له في المقدار ومضاد له في‬        ‫(الإشارات والتنبيهات) لابن سينا كالآتي‪« :‬إنك‬
      ‫الاتجاه»‪ ،‬فنقرؤه عند العلماء المسلمين بشيء‬        ‫لتعلم أن الجسم إذا ُخ ِّل وطباعه‪ ،‬ولم َي ْع ِر ْض له‬
   ‫من التحلية بالاستعارة والتشبيه‪ ،‬فنقرأ في كتاب‬        ‫من خار ٍج تأثي ٌر غري ٌب‪ ،‬لم يكن له ُب ٌّد من موضع‬
   ‫(المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات)‬
    ‫للإمام فخر الدين الرازي‪« :‬الحلقة التي يجذبها‬
  ‫جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط‪ ،‬لا شك‬
     ‫أن كل واحد منهما فعل فيها فع ًل معو ًقا بفعل‬

                                        ‫الآخر»‪.‬‬
    ‫من الأمثلة السابقة نلاحظ حسن نظريتنا في أن‬
  ‫الفقر في الاستعانات العلمية كالمعادلات الرياضية‬
  ‫والأشكال البيانية والرسومات التوضيحية يجعل‬

       ‫من الكاتب للظاهرة الفيزيائية كاتبًا متسل ًحا‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61