Page 51 - merit 45
P. 51

‫‪49‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫والأسرة‪ ،‬ودور آخر فرضه المجتمع على المرأة ‪-‬في‬          ‫موطن الشرور‪ ،‬وعلى الرجل التصدي لشرورهن‬
  ‫الأغلب‪ -‬وهو العمل داخل المنزل ورعاية الأطفال‪،‬‬                           ‫تصديه لشرور إبليس نفسه‪.‬‬
 ‫مع نزعة خاضعة لقرارات الرجل‪ .‬وميلاد الأسطى‬
                                                        ‫وعند تخلي ميلاد أو أي رجل عن استخدام العنف‬
    ‫حاول اختراق مجال الدور المفروض على المرأة‪،‬‬           ‫أو حتى تخليه عن دور اجتماعي فرضه المجتمع‬
    ‫ووجده محق ًقا لذاته‪ ،‬لكنه لم يستطع التكيف مع‬       ‫عليه لتهذيب النساء‪ ،‬تظهر مقولة (تعيش يوم ديك‬
‫هذا الاختراق‪ ،‬وظل في أزمة وتشتت داخل الدورين‪،‬‬            ‫ولا عشرة دجاجة)‪ ،‬التي تنزع عن الرجل بع ًضا‬
  ‫يكشف عنها قوله (أعتذر عن كوني أنا)‪ ،‬ويكشف‬           ‫من رجولته وتشبهه بالديك المتحول إلى دجاجة‪ ،‬في‬
 ‫عنها أي ًضا توجيه اللوم إلى مجتمعه الذي صنع منه‬         ‫إشارة إلى التخلي عن الدور الاجتماعي المفروض‬
  ‫(نكتة)‪ ،‬لأنه لم يخضع للدور المقرر له‪ ،‬مما جعله‬         ‫عليه‪ ،‬وبالتالي نبذ المجتمع له‪ ،‬ووصمه بالضعف‬
     ‫يوجه اتهامه إلى الجميع‪ ،‬إلى أمه وأبيه وعائلته‪،‬‬
    ‫وأصدقائه‪ ،‬ثم أفراد قريته ممن ينكرون عليه ما‬                                            ‫والتخاذل‪.‬‬
  ‫أحدثه من تمرد على الصورة النمطية لدور الرجل‬            ‫وكل هذه المقولات وغيرها الكثير الذي تمتلئ به‬
  ‫والمرأة‪ ،‬وفي كل مرة حاول ميلاد التمرد فيها كان‬     ‫الثقافة العربية تدعم علاقات القوى التي تشكل جز ًءا‬
  ‫كمن يهرب من زاوية سجن‪ ،‬ويعبر عن أزمته هذه‬          ‫من علاقة الرجل بالمرأة‪ ،‬وتمنح الرجل سلطة لتقرير‬
                                                      ‫مصيرها وتشكيل صورتها‪ ،‬وإذا قاومت المرأة هذه‬
      ‫بقوله‪« :‬طيلة حياتي‪ ،‬كانت الدنيا تحشرني في‬           ‫الصورة النمطية‪ ،‬تتغير المقولة الشعبية لوصف‬
 ‫الزاوية كقط يبحث عن مهرب فيتخذ قرا ًرا انتحار ًّيا‬       ‫هذا الوضع الجديد وإدانته‪ ،‬فنجد منها (الفرس‬
                                                         ‫ع َّل راكبها)‪ ،‬في إشارة واضحة لقلب الأدوار بما‬
   ‫بالولوج من تحت أقدام محاصريه»‪ ،‬حيث أضاع‬               ‫يعكس خل ًل في العلاقة بين الطرفين‪ ،‬وفي النهاية‬
   ‫جز ًءا من عمره يحاول أن يجد مهر ًبا‪ ،‬بأن يتقبل‬     ‫تأتي المقولة الشعبية التي تحرر الرجل من الالتزام‬
    ‫نفسه كما هي أو يتخلص منها تما ًما بالانتحار‪.‬‬     ‫الأخلاقي الذي تفرضه على المرأة‪ ،‬فيصبح (الرجل ما‬
  ‫والوضع الوحيد الذي حقق من خلاله ميلاد جز ًءا‬       ‫يعيبه شي)‪ ،‬فمهما تخطى تقاليد المجتمع وأخلاقياته‬
‫كبي ًرا من ذاته هو شغفه بصناعة الخبز‪ ،‬بكل أشكاله‬      ‫لن يضيره هذا في شيء مثلما ُيلحق الضرر بالمرأة‪.‬‬
‫وألوانه‪ ،‬العربية والأوروبية‪ ،‬حيث وجد فيه متنف ًسا‬
   ‫لتحقيق شخصيته‪ ،‬وإبراز تفوقه‪ ،‬ووجد فيه من‬                ‫وعند تقديم الكاتب لمفاهيم الأدوار الاجتماعية‬
 ‫ناحية أخرى شب ًها بحياته‪« ،‬أحيا ًنا أفكر أن صناعة‬     ‫وربطها بما قدمته وأقرته الجماعة ممثلة في بعض‬
    ‫الخبز تشبه الحياة‪ ،‬حياتي على أقل تقدير مليئة‬     ‫المقولات الشعبية‪ ،‬لا يغفل دور المرأة في صياغة عدد‬
 ‫بالترقب والقلق»‪ ،‬فمزاج ميلاد ارتبط بالخبز دائ ًما‪،‬‬     ‫من هذه المفاهيم ودعمها‪ ،‬وفي الوقت نفسه و َّظف‬
                                                      ‫هذه المقولات الشعبية توظي ًفا يدعم فكرته ويكشف‬
     ‫ونشأت بينه وبين صناعته علاقة تشبه علاقة‬         ‫طبيعة أزمة البطل ميلاد في كونه لا يتوافق مع الدور‬
‫العاطفة‪ /‬الحب‪« ،‬أنا أحب فعل ذلك‪ .‬يمكنني التفاعل‬        ‫الاجتماعي المفروض عليه‪ ،‬فكانت كل مقولة بمثابة‬
‫مع المكونات‪ ،‬وتحسسها وإرسال حبي إليها وجعلها‬         ‫تدعيم من داخل الثقافة الشعبية لأفكار النص‪ ،‬يؤكد‬
                                                        ‫من خلاله الن َّعاس وجهة نظره تجاه قضية النوع‬
  ‫تشعر بما أشعر به»‪ ،‬والجميع أحب ميلاد الصانع‬
    ‫الماهر لكل أنواع الخبز‪ ،‬لكنهم نبذوه لتخليه عن‬               ‫الاجتماعي وأزمته الممزقة لهوية أفراده‪.‬‬
                  ‫دوره الاجتماعي المفروض عليه‪.‬‬
                                                                      ‫(‪)5‬‬
  ‫وفي النهاية لم يستطع ميلاد التصالح مع جزء من‬
     ‫تمزقه وشتاته‪ ،‬خاصة بعد أن تخلت عنه زينب‬            ‫يكشف البطل عن أزمته المتعلقة بتمزق هويته بين‬
                                                           ‫دورين اجتماعيين‪ ،‬دور مفروض على الرجل‪،‬‬
‫زوجته‪ ،‬وخانته مع مديرها في العمل‪ ،‬وبهذه الحادثة‬             ‫يحاول التخلص منه‪ ،‬بنزع سماته عنه‪ ،‬وهي‬
 ‫شعر ميلاد بأن من يربطه بالعالم ومن ساعده على‬
  ‫تقبل موقفه تجاه دوره الاجتماعي تخ َّل عنه وهي‬        ‫العمل وتوفير النفقات والالتزام بفكرة إدارة المنزل‬
  ‫زينب‪ ،‬فقرر قتلها‪ ،‬انتقا ًما من فكرة تخليها‪ ،‬ليصل‬

   ‫إلى ذروة ضياعه‪ ،‬ويقرر أن يحكي قصته للعالم‪،‬‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56