Page 48 - merit 45
P. 48

‫العـدد ‪45‬‬        ‫‪46‬‬

                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫في ذلك»‪ ،‬وظل ميلاد يتأرجح بين مفاهيم متناقضة‪،‬‬           ‫طويل‪ ،‬والمعسكر‪ ،‬والب َّراكة (مبنى متطرف على‬
   ‫تبيح للرجل ممارسة الجنس خارج إطار الزواج‪،‬‬            ‫حدود القرية يجتمع فيه بأصدقائه من الرجال‬
  ‫إثبا ًتا لرجولته‪ ،‬وتمنعه في الوقت نفسه من الكذب‬    ‫لشرب الحشيش وممارسة الجنس)‪ ،‬ثم رحلته إلى‬
                          ‫والنفاق وشرب الخمر‪.‬‬           ‫تونس وأثرها في علاقته بزوجته‪ ،‬وكذلك أثرها‬
      ‫ولم يتوقف اضطراب هوية ميلاد عند حدود‬             ‫في تكوين فهم مغاير لشخصيته وموقعها داخل‬
   ‫الأسرة‪ ،‬بل امتد إلى تجربته داخل المعسكر‪ ،‬أثناء‬
    ‫أداء الخدمة العسكرية‪ ،‬حيث أثر دخوله الجيش‬                                     ‫مجتمعه وتقاليده‪.‬‬
  ‫في زيادة الهوة بين ما يشعر به وما يفرضه عليه‬
   ‫المجتمع من أدوار تتعلق بـ(الرجولة الحقة)‪ ،‬إلى‬                  ‫(‪)2‬‬
   ‫درجة أن خلع عليه القائد‪ /‬المادونا أوصا ًفا تحط‬
   ‫من مقدار رجولته‪ ،‬مثل‪« :‬لدينا فتاة في المعسكر»‬      ‫ظلت شخصية ميلاد‪ /‬البطل تتأرجح بين انتمائها‬
      ‫و»صرت معرو ًفا بميلاد عجينة»‪ ،‬وغيرها من‬           ‫لعالم الذكور تب ًعا لتكوينه الجسماني‪ ،‬وانتمائها‬
        ‫الأوصاف التي دفعته إلى محاولة الانتحار‪،‬‬           ‫الضمني لعالم النساء ممث ًل في علاقته الفريدة‬
  ‫ليتخلص من (العار) الذي لحق به‪ ،‬ومن استهزاء‬              ‫بأخواته‪ ،‬وهي علاقة تشكلت منذ صغره عبر‬
                                        ‫زملائه‪.‬‬           ‫نشأته بينهن‪ ،‬نشأة أتاحت له فرصة للاطلاع‬
      ‫وامتدت صور الرجولة المهزومة(‪ )3‬إلى علاقته‬            ‫على عالم النساء‪ /‬المرأة عن قرب‪ ،‬ليشاركهن‬
 ‫بأهل القرية التي يعيش فيها‪ ،‬وموقفهم منه لكونه‬          ‫عاداتهن اليومية‪ ،‬وكل ما يتعلق تقريبًا بأمورهن‬
   ‫يمثل نموذج (اللارجل) أو (الرجل الضد) قيا ًسا‬           ‫الأنثوية‪ ،‬وعلى الجانب الآخر ظلت الأم ومعها‬
    ‫إلى تقاليد المجتمع الليبي‪ ،‬وأبرز أشكال الانتقاد‬
       ‫والهجوم التي ُوجهت إليه ظهرت في موقف‬          ‫الأب‪ ،‬منزعجين من هذه العلاقة بين ولدهم الوحيد‬
                                                      ‫وأخواته‪ ،‬لكونها تخرج عن النمط التقليدي لسمات‬
‫العبسي‪ ،‬ابن عمه‪ ،‬ومحاولاته الدائمة لتعديل سلوك‬
   ‫ميلاد‪ ،‬ورده إلى طريق الرجولة الحقة من وجهة‬              ‫(الرجولة)‪ ،‬ولكونها خلقت ما يسمى بنموذج‬
     ‫نظره هو وأهل القرية‪ ،‬فنجده يسخر من كونه‬           ‫(اللارجل) أو (الرجل الضد)‪ ،‬وحرصت الأم على‬
    ‫شخصية غير حازمة تجاه أخواته‪ ،‬ولا يمارس‬              ‫توجيه ابنها الوحيد نحو الصورة النمطية بإبداء‬
  ‫ضدهن أي شكل من أشكال العنف‪ ،‬مثل الضرب‪،‬‬             ‫استيائها مما يفعله مع أخواته‪ ،‬وتظل تذكره بحدود‬
                                                      ‫الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة‪ ،‬فـ»الرجل يبني‬

                                                           ‫ويعمر والمرأة تنظف ما بناه‪ ،‬هذا هو الاتفاق‬
                                                      ‫الضمني بين الجنسين‪ ،‬وأي خلل يجب إصلاحه»‪،‬‬
                                                       ‫وكذلك الأب الذي وجد في ولده (ميوعة) يجب أن‬

                                                                                     ‫تصلح‪« ،‬المهم يا‬
                                                                                     ‫ولد‪ ،‬لقد لاحظت‬
                                                                                    ‫فيك ميوعة‪ ،‬يجب‬
                                                                                   ‫أن تسترجل»‪ ،‬مما‬

                                                                                      ‫تسبب في أزمة‬
                                                                                   ‫تخص علاقة الأب‬
                                                                                   ‫بابنه‪ ،‬جعلت ميلاد‬

                                                                                     ‫يشعر بالحسرة‬
                                                                                  ‫«كنت أقرأ في عينيه‬
                                                                                 ‫خيبته وتحسره على‬
                                                                                   ‫إنجابه رج ًل مثلي‪،‬‬
                                                                                 ‫كأنه السبب الرئيس‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53