Page 49 - merit 45
P. 49
47 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
فيما يتعلق بعمل ميلاد داخل المنزل -حدث في وأنه بتخليه عن هذا العنف ،يفقد جز ًءا من معيار
الخفاء تقريبًا ،بعي ًدا عن رقابة الأسرة والمجتمع رجولته ،ثم يمتد لوم العبسي له ويشتد بصورة
أكبر بعد زواج ميلاد من زينب ،وتقبله لفكرة قلب
والأصدقاء ،في محاولة للهروب من الأحكام
المجتمعية التي توجه لمثل هذا النوع من التمرد، الأدوار الاجتماعية بينهما ،ويصر العبسي على
فنجد مث ًل البطل يعمل في المطبخ طوال اليوم، توجيه سلوك صديقه حتى وصل الأمر بميلاد إلى
لكنه يتهرب من أعين أمه عندما تكون موجودة، قبول اتفاق بينهما لمساعدته في إرشاده إلى طريق
خو ًفا من نظرتها التي تنقص من مقدار رجولته استعادة مكانته بين العائلة ،وظلت العلاقة بينهما
في هذا الوضع ،وهو يدرك تما ًما أن موقفه مهتز في حالة دائمة من التوجيه وإلقاء اللوم والوصاية
بين الدورين ،ويرى هذا في نظرات أمه له« ،بينما
تنظر إل َّي أمي بشيء يشبه الاشمئزاز من عقيدتي من العبسي على ميلاد ،على الرغم من الصداقة
المهزوزة» ،والأم ساهمت ليس فقط بوصفها أ ًّما ،بل الطويلة والحب الذي جمع بينهما ،لكن العبسي ظل
أي ًضا بوصفها امرأة في تشكيل جزء كبير من هذه دائ ًما جز ًءا أساسيًّا من مرآة المجتمع ،تنعكس عليه
العقيدة المهزوزة ،برفضها لها ،وحكمها السلبي ردود الفعل تجاه شخصية ميلاد وموقفه من أدوار
عليها طوال الوقت. المجتمع المفروضة على الرجل والمرأة.
والفكرة الأهم التي حرص الكاتب على كشفها هي عندما نشير إلى (الرجولة المهزومة) فهذا يعني
حقيقة علاقة ميلاد بزوجته زينب ،وتفهمها لرغبة انهزام الرجولة من وجهة نظر المجتمع والتقاليد
والأعراف ،لكنها تظل رجولة مضطربة داخل
كل طرف منهما في تخليه عن الدور الاجتماعي شخصية ميلاد ،تشعره بانهزام يتبدى فقط عند
المفروض عليه من المجتمع ،وسعادتهما واتفاقهما النظر إلى وجوه أسرته وأهل قريته ،أما من وجهة
شبه الكبير للعب الأدوار الجديدة التي اختارها كل نظره هو فقد كان يمارس ما يمليه عليه فكره
واحد منهما ،لكن هذا الاتفاق صاحبه خوف من وما يشعر به ،وما يرتاح إليه من هذه الأدوار
الاجتماعية ،حتى وإن اختار أن يقلبها رأ ًسا على
نظرة المجتمع ظهرت مث ًل عندما أرخت الزوجة عقب ،لكنه في النهاية لم ينجح في تحقيق الاتزان
رأسها من التعب على كتف زوجها في الطريق العام،
ليجد ميلاد نفسه متوت ًرا من هذا الوضع الذي يعلم وظل ممز ًقا بين هذه الهويات المختلفة ،والتي
تأسست واعتمدت في الغالب على هوية النوع
أن المجتمع سيلومه عليه ،فيقول« :ورغم أني كنت
أحب تلك الوضعية ،فقد خجلت من أن أوضع في الاجتماعي المفروضة مسب ًقا من المجتمع.
مواقف كهذه في الأماكن العامة .عندما يحدث ذلك، ولم تكن حياة ميلاد كلها شك ًل من أشكال الانهزام،
أصبح أكثر إدرا ًكا لمحيطي» ،وهنا مثَّل إدراك ميلاد
لمحيطه نقطة أساسية في أزمته ،مما جعله مضط ًّرا فقد تخللها شغف وحب لصناعة الخبز ،التي مثلت
محطة أساسية من
للتصرف عكس رغبته خو ًفا من لوم المارة له.
وعلى الرغم من أن المجتمع الشرقي والعربي يمنح محطات تكوينه النفسي
والمهني ،وجد فيها نو ًعا
للرجل امتيا ًزا يرتبط بجنسه ،فإن هذا الامتياز من أنواع تحقيق الذات
الذكوري «هو فخ أي ًضا ،يجد نقيضه في التوتر
وتركيز الانتباه الدائمين اللذين يدفعان أحيا ًنا والطمأنينة ،والهروب
إلى حد العبث ،والذي يفرض الواجب (فيه) على من كل الضغوط التي
يمارسها عليه محيطه.
كل رجل تأكيد رجولته في كل الظروف»(،)4
ويسائل الكاتب كل الأدوار المثالية المرتبطة بالنوع ()3
الاجتماعي ،التي تفرضها الجماعة على أعضائها،
كل قلب للأدوار
ويكشفها عبر تأكيد أزمة التمزق التي أصابت الاجتماعية -خاصة
شخصية البطل ،وتصويرها بكل هشاشتها تجاه