Page 55 - merit 45
P. 55

‫‪53‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                                 ‫الأولى التي يتعين على المهتم‬

                                                                 ‫بالفيزياء تطوير أفكارها‬

                                                                 ‫وتفعيل التعامل معها‬

                                                                 ‫بطرق مختلفة‪ ،‬ومرونة‬
                                                                 ‫التحرك فيما بينها تكام ًل‬

                                                                 ‫للفكرة‪ ،‬وإن كان دور‬

                                                                 ‫المعادلات والرسوم‬
                                                                 ‫البيانية مو ِض ًحا وشا ِر ًحا‬
                                                                 ‫وليس مد ِّع ًما منطقيًّا؛ فقد‬
                                                                 ‫تم إيلاء الاهتمام للغة‬

                                                                 ‫كممثل للمعرفة والأفكار‬

                                                                 ‫في الفيزياء‪ .‬وهي التعبير‬

                                                                 ‫الشرعي عن الأفكار‬

                                                                 ‫والعمليات المادية‪ .‬ويدرك‬

                                                                 ‫علماء الفيزياء أن بعض‬

‫مارك جونسون‬  ‫جورج لاكوف‬                             ‫إسحاق نيوتن‬    ‫صعوبات الطلاب قد‬
                                                                 ‫تكون ناتجة عن ارتباك‬

      ‫الجزء المغمور في سائل لجسم صلب يساوي‬          ‫اللغة نفسها‪ ،‬لذا فليس كل كات ٍب للظاهرة الفيزيائية‬
  ‫حجم السائل المزاح» هنا لا يمكن لهذه القاعدة أن‬    ‫يتمتع بلغ ٍة راقية آسرة مو ِّضحة‪ ،‬فالمباشرة في‬
  ‫تستنجد بالاستعارات والتشبيهات لإدراك المعنى‪،‬‬
  ‫بل إن الكلام المباشر أدى الغرض العلمي المطلوب‬     ‫النص الفيزيائي المتكلم عن الواقع صعب التخيل‬

      ‫منه‪ ،‬كون المتلقي قادر على الإحساس المباشر‬     ‫تظلم الظاهرة بل وتشوش أبعادها ومعانيها‪ ،‬لذا؛‬
    ‫بالظاهرة وحقيقتها‪ ،‬وبالتالي استيعابها‪ ،‬أما إذا‬
 ‫تكلمنا عن فيزياء الكم الحديثة فالتشبيهات اللغوية‬   ‫فعلى كاتب النص الفيزيائي دون الذري أن يكون ذا‬
 ‫ستكثر‪« :‬لن يستطيع مسافر فضائي يجتاز حدو َد‬         ‫إحسا ٍس عا ٍل وممتل ًكا لناصية اللغة ومتذو ًقا فعليًّا‬
     ‫أف ِق الثقب الأسود أن يهرب من الجر التثاقلي‪،‬‬                ‫لجمالياتها‪ ،‬خاصة إذا كتب في ناحيتين‪:‬‬
   ‫وس ُيسحب باتجاه النقطة المتفردة‪ ،‬حتى الضوء؛‬      ‫‪ -1‬ن ًّصا فيزيائيًّا بدون تمثيلا ٍت رياضية أو‬
     ‫فبمجرد اجتيازه الأفق لن يستطيع الهرب»(‪.)3‬‬      ‫بيانية أو إيضاحات وجداول وغيرها‪ ،‬أي ن ًّصا‬
‫نلاحظ كيف يصف النص الفيزيائي الحديث الحدث‬           ‫لغو ًّيا خال ًصا‪ ،‬هنا سيضطر الكاتب لتدعيم أفكاره‬
   ‫باستعارا ٍت كالمسافر‪ ،‬واجتياز الحدود والهروب‬        ‫بالاستعارات والتشبيهات والأساليب البلاغية‬
 ‫والجر‪ ..‬إلخ‪ ،‬وإلا فالمعنى لن يتضح كون مثل هكذا‬
‫ظواهر لا يمكن أن ُتشاهد و ُتحس‪ ،‬لذلك كانت اللغة‬       ‫التي ُيكثر فيها التمثيلات اللغوية‪ ،‬ليفتح آفاق‬
‫التصويرية هي المنقذ لإظهار المعنى العلمي للظاهرة‪.‬‬   ‫الذهن البشري ليستوعب موضوع النص‪ ،‬فكلما‬
                                                    ‫قلَّت التمثيلات العلمية ازدادت التمثيلات اللغوية‬
    ‫النص الفيزيائي العربي القديم‬
                                                                 ‫وتعمقت واتسعت في النص الفيزيائي‪.‬‬
  ‫كانت كتب التراث العربي في علم الفيزياء‪ ،‬زاخرة‬
   ‫بالاستعارات والتشبيهات نظ ًرا لعدم نضج فكرة‬      ‫‪ -2‬طبيعة الموضوع الذي لا تدركه اللغة العلمية‬

                                                    ‫الرصينة المباشرة‪ ،‬فموضوعات فيزياء العالم‬

                                                    ‫المحسوس والمشا َهد والواقع ضمن حدود التخيل‪،‬‬
                                                    ‫كحركة الأجسام أفقيًّا ورأسيًّا وتمددها وانكماشها‬
                                                    ‫وخواصها وغيرها‪ ،‬يمكن وصفه بلغة مباشرة‬

                                                    ‫غير قابلة للتصوير كون الظاهرة حاضرة بذاتها‬
                                                    ‫ولذاتها؛ فمث ًل ينص مبدأ أرشميدس على أن‪« :‬حجم‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60