Page 61 - merit 45
P. 61

‫‪59‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                      ‫كما تنطوي على البواعث‬

                                                                      ‫والأهداف التي تحث على‬

                                                                      ‫المشاركة في إنشاء النظم‬

                                                                      ‫والمؤسسات‪ ،‬المادية وغير‬

                                                                      ‫المادية على السواء‪ ،‬وبينما‬

                                                                      ‫تحكم القوانين الطبيعة‪،‬‬

                                                                      ‫تسود القيم والمعايير علم‬

                                                                      ‫الإنسان‪ ،‬أي ثقافته»(‪.)4‬‬

                                                                      ‫من خلال هذه التصورات‬

                                                                      ‫يبدو أن الثقافة لها جانبان‬

                                                                      ‫ضروريان‪ ،‬جانب مادي‬

                                                                      ‫وآخر روحي‪ ،‬هذا التصور‬

                                                                      ‫هو الذي يؤكده صلاح‬

                                                                      ‫قنصوة ببيانه أن‪« :‬للثقافة‬

                                                                      ‫إذن جانبان‪ ،‬روحي أو‬

‫صلاح قنصوة‬  ‫لوك فيري‬                                 ‫عبد الرحمن منيف‬  ‫غير مادي‪ ،‬وهي القيم‬
                                                                      ‫والمعايير والاعتقادات‬

     ‫الثقافة الشعبية غير الرصينة والتي لا تخضع‬       ‫والتقاليد‪ ،‬ويمثل الجانب المادي التجسيد المحسوس‬
    ‫للخلخلة والتساؤل والتمحيص والنقد والتعليل‪،‬‬
‫ذلك بأن تسيطر هذه الآراء والتمثلات التي تحولت‬        ‫للجانب المعنوي على نحو ما يتبدى في أدوات‬
   ‫إلى قناعات لدى زمرة من الناس حتى يصل بهم‬
 ‫الأمر ح َّد القتال وإعلان الحرب على الآخرين جراء‬    ‫وتقنيات ومنشآت‪ ،‬وهذا هو ما يسمى بالحضارة‪،‬‬
  ‫قناعاتهم التي لا تقبل الشك ولا النقد أو الانتقاد‪،‬‬
    ‫لأنها مسلمات راسخة في أذهانهم وتعد مسألة‬         ‫شريطة أن تستقر الثقافة في موطن محدد لا يرتحل‬

       ‫حياة أو موت في حال المساس بها والتهوين‬                         ‫منه أصحابه أو يتجولون»(‪.)5‬‬
‫والتقزيم من قيمتها‪ ،‬فهي مقدسة مثل قداسة دينهم‬
                                                     ‫ملامح الثقافة الشعبية‬
                                    ‫ومعتقداتهم‪.‬‬        ‫وجبروت البركة‬
‫ولعل ما يثير واب ًل من التساؤلات من منظور النقد‬
‫الثقافي والدراسات الثقافية كون هذا النص الروائي‬      ‫يتسم عالم عبد الرحمن منيف في رواية أم ال ُّندور‬
                                                      ‫بفضح الروائي المشهور بعمق كتاباته التي تحلل‬
     ‫حابل بتساؤلات وتأويلات الروائي نفسه ذات‬
 ‫الطابع الثقافي والاجتماعي‪ ،‬فلا يمكن أن يكتب عبد‬         ‫تر ِّدي الأوضاع الاجتماعية والسياسية بعالمنا‬
 ‫الرحمن منيف كتابة سطحية فارغة من المعنى‪ ،‬ولا‬           ‫العربي‪ ،‬فالإنسان العربي يعيش في ظل الذائقة‬
                                                     ‫الحضارية تخ ُّبطا في مشاكل عويصة‪ ،‬لكن أقساها‬
    ‫يمكن له إلا أن يحلل البنى الثقافية والاجتماعية‬   ‫مرارة هي أن يتخ َّل الإنسان في المشرق عن العقل‬
 ‫للشرق وعاداته البالية التي تستحق إعادة المراجعة‬         ‫والعقلانية وتهيمن عليه خزعبلات ووساوس‬
  ‫والتساؤل النقدي والفلسفي التي تطمح إلى إعادة‬
                                                           ‫وظنون الثقافة الشعبية في بعدها السلبي لا‬
    ‫مراجعة ونقد وتمحيص لهذه العادات والتقاليد‬        ‫الإيجابي‪ .‬فالثقافة الشعبية هي خليط متجانس من‬
‫والأعراف والتمثلات الثقافية والاجتماعية الشرقية‪.‬‬     ‫العادات والتقاليد والأعراف التي يمتلكها المرء من‬

    ‫يطرح عبد الرحمن منيف في هذا النص الروائي‬           ‫تنشئته الاجتماعية التي ترعرع عليها في وسطه‬
                                                                                        ‫الاجتماعي‪.‬‬

                                                       ‫لكن موطن الإشكال هاهنا يتجلى في هيمنة عالم‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66