Page 64 - merit 45
P. 64

‫العـدد ‪45‬‬                    ‫‪62‬‬

                                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫لا وأعماله تتحدث عنه في عمقها الفكري وقدرتها‬        ‫يبدو أن شجرة أم النذور تقوم بوظائف متعددة‪،‬‬
  ‫على معالجة ثيمات وقضايا عميقة وخطيرة تمس‬               ‫ولما نسمع أن نساء القرية يضعن فيها الخرق‬
  ‫جمالية ورصانة ثقافتنا العربية التي يمخر عباب‬
  ‫جسدها وروحها وقيمها وأصالتها الجهل المقدس‬            ‫والخيوط وقد غشى الدمع عيونهن‪ ،‬حيث تصبح‬
   ‫والمؤسس بتعبير المفكر الجزائري محمد أركون‪،‬‬          ‫هذه الشجرة وقد زال عنها الخرق البالي مثل إله‬
‫من عادات وتقاليد يغلب عليها طابع التدين لا الدين‬      ‫يبتسم‪ ،‬ويضفي الروائي عبد الرحمن منيف صفة‬
   ‫وتغلب عليها الطقوس والعادات والتقاليد البالية‬
    ‫دون عقلانية ولا تفكير ولا منطق واقعي يؤطر‬            ‫الألوهة والقداسة لهذه الشجرة لعكس تمثلات‬
                                                       ‫مخيال هذه الزمرة من الناس التي تؤمن بالبركة‬
    ‫الأمور ويعالج الموضوعات بموضوعية حيادية‬
 ‫وتفكير ورؤية رصينة دون انفعال وتسليم وتأليه‬                                       ‫وتقدس الخوارق‪.‬‬

                                        ‫للبشر‪.‬‬        ‫الدين كوسيلة للتكسب وكسب قوت‬
‫دعونا ندلف في هذا السياق نحو كتاب فلسفي مهم‬                   ‫العيش عند الفقيه‬

   ‫هو‪« :‬الإنسان المؤله» لكاتبه الفيلسوف الفرنسي‬        ‫لا ريب أن عمل الشيخ أو الفقيه يعتمد على كفاءته‬
       ‫لوك فيري‪ ،‬ولعل هذه الفكرة تتمثل في تأليه‬        ‫في مجاله‪ ،‬فالفقيه حفظ القرآن وفهم ما تيسر من‬
                                                       ‫علوم القرآن واللغة العربية وعلومها‪ ،‬وأمر طبيعي‬
 ‫وأسطرة الكائنات البشرية في عالمنا العربي‪ ،‬فكيف‬        ‫أن يكون قوت عيشه هو التكسب عن طريق تعليم‬
‫يكون الولي كالإله المقدس في حياة الكائن العربي في‬      ‫الأولاد القرآن وعلومه‪ ،‬ضف إلى ذلك حضوره في‬
‫عصر الحداثة والتنوير والمجتمع الرأسمالي وطغيان‬
                                                          ‫بعض الولائم لمباركة أهلها بزيادة الرزق والمال‬
              ‫التقنية والتكنولوجيا وتطور العلوم؟‬          ‫والبنون وقراءة القرآن على أموات القبور‪ ،‬فهو‬
                                                           ‫مرجع ديني مهم في الشرق بوظائفه التقليدية‬
                             ‫الهوامش‪:‬‬
                                                                                            ‫المعروفة‪.‬‬
‫* باحث في سلك الدكتوراه‪ ،‬مختبر الدراسات الأدبية‬          ‫وما يوضح هذا الدور هو قول السارد‪« :‬لم نعد‬
    ‫واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل‪ ،‬كلية الأدب‬       ‫نعيش‪ ،‬يا حاج‪ ،‬إلا من هؤلاء العفاريت‪ .‬وأشار إلى‬
   ‫والعلوم الإنسانية فاس‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن‬            ‫الأولاد‪ ،‬ثمة غير لهجته وتابع‪ :‬لم تعد الأيام مثل‬
                            ‫عبد الله سايس‪ ،‬المغرب‪.‬‬    ‫قبل‪ .‬حتى الزكاة لم يعد أحد يعطيها يا حاج‪ .‬ولولا‬
     ‫‪ -1‬صلاح قنصوة‪ ،‬تمارين في النقد الثقافي‪ ،‬ص‪.13‬‬      ‫أمثالكم‪ ،‬من المحسنين الذين يخافون الله‪ ،‬لمتنا من‬
            ‫‪ -2‬المرجع السابق‪ ،‬صلاح قنصوة‪ ،‬ص‪.13‬‬
                            ‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬                                          ‫الجوع»(‪.)12‬‬
                            ‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬           ‫ولعل الملاحظ هنا أن الفقيه بدوره يعتمد عمله‬
            ‫‪ -5‬المرجع السابق‪ ،‬صلاح قنصوة‪ ،‬ص‪.14‬‬          ‫كوسيلة لكسب المال‪ ،‬وهذا أمر عادي لأن مصدر‬
                                                          ‫العيش عنده هو المسجد كما أنه يقوم بعمله مع‬
‫‪ -6‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬أم النذور‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،2012 :‬‬  ‫الأولاد‪ ،‬لكن هذا الدور يبين مكانة الفقيه أو الشيخ‪،‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬دار التنوير للطباعة‬    ‫وهذا يدخل ضمن ثقافة هؤلاء وهويتهم الدينية‪.‬‬

                             ‫والنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.9‬‬                  ‫على سبيل الختام‬
          ‫‪ -7‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬
          ‫‪ -8‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬       ‫لعل الروائي عبر الرحمن منيف غني عن التعريف‬
          ‫‪ -9‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬        ‫كواحد من عباقرة الرواية العربية الحديثة‪ ،‬كيف‬
         ‫‪ -10‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬
         ‫‪ -11‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.23‬‬
        ‫‪ -12‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.25‬‬
   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69