Page 107 - merit 46 oct 2022
P. 107

‫‪105‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

                     ‫وصوله وقبل َط ْفق الشراب‪.‬‬
    ‫الكأس يحيله قد ًحا بدفعتين في جوفه‪ ،‬تتبع كل‬
 ‫دفعة‪ ،‬ملعقة من الحمص الغارق بعصير الليمون‪.‬‬
    ‫ينهي حجم ربع القنينة الشامخة أمامه بصمت‬

           ‫ويرافق ذلك دخان ينفثه طوال الجلسة‪.‬‬
‫لا يعنيه قدوم النادل يعقوب وتكرار مقطوعته التي‬

        ‫يلحنها ويغنِّيها بحركات تنططية مضحكة‪:‬‬
 ‫‪ -‬هل ترغب شيئًا آخر ياع ُّم‪ ،‬هل ترغب شيئًا آخر‬

                                         ‫ياعم؟!‬
    ‫يمي ُل بوجهه صوب النادل ويطيل التحديق فيه‬
‫دون أن ينبس بكلمة وينسحب الأخير لا يتأفف من‬

                          ‫شيء كأنه ألِ َف الحالة‪.‬‬
   ‫أراقبه ك َّل ليل ٍة في مملكته وحي ًدا يكرر السيناريو‬

     ‫ذاته‪ ،‬أربعة كؤوس يترعها‪ ،‬كل كأس بدفعتين‬
   ‫اثنتين‪ ،‬وتخادن الجلسة ست لفافات تبغ‪ ،‬للدقة‬
   ‫(كما عاهدتكم) قد تكون أحيا ًنا سبع لفافات‪ .‬لم‬
   ‫أستدل على العلامة التجارية لعلبة الدخان‪ ،‬وهي‬
   ‫ليست بذات شأن لي ولكم‪ .‬ينهي طقوسه بوقت‬
   ‫يجاوز الساعتين بقليل‪ .‬ما إن ُينهي ربع القنينة‬

       ‫حتى ُيجهز على ما تبقى من الحمص الغارق‬
                       ‫بالليمون بملاعق متعاقبة‪.‬‬

  ‫يدير رأسه شما ًل ويمينًا بحثًا عن يعقوب‪ ،‬ما إن‬
 ‫تلتقي نظراتهما ويتأكد أن يعقوب في مرماه‪ ،‬يرفع‬

   ‫يمناه مع فرقعة الوسطى والإبهام‪ .‬يهرع نادلنا‬
 ‫مبصب ًصا كأنه جرو مد َّرب‪ ،‬يدفع صاحبنا ما عليه‬

                       ‫ويغادر بصمت كما دخل‪.‬‬
  ‫يشيِّعه يعقوب بحرارة أقوى من حرارة الترحيب‬

       ‫بالقدوم‪ ،‬فهذا الزبون لا يستعلم عن متبقي‬
   ‫المبلغ الذي يد ُّسه يعقوب في الجيب الآخر‪ ،‬جيب‬

                   ‫الإكراميات‪ ،‬كما أس َّرني بذلك‪.‬‬
     ‫أي هموم تحمل‪ ،‬وأي حياة تحيا؟ لا تلتفت‪ ،‬لا‬
‫تحادث أح ًدا‪ ،‬لا تبتسم ولا تشفق حتى على يعقوب‬

                               ‫المغلوب على أمره‪.‬‬
     ‫لا ارتياب ولا تخمين‪ ،‬أقول جاز ًما إنه هجران‬
     ‫الحبيبة المباغت وصاحبنا يسترسل في معرفة‬
 ‫أسباب الهجر وحده‪ ،‬علَّه يقع على حقيقة ما حدث‪،‬‬
‫لا أملك إلا قولي‪ :‬كان الله في عونه‪ .‬أترصد حركاته‬
     ‫المحدودة وأُحصي نوابضه‪ .‬لم يغيِّ ْر شيئًا من‬
     ‫طباعه في ركن الحانة ذاته وكأنه ُختم باسمه‪.‬‬
‫ذات المكان والكؤوس الأربعة والست لفافات (ربما‬
 ‫سبع) من التبغ ذاتها ويغادر‪ .‬تجسست أفعاله بما‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112