Page 103 - merit 46 oct 2022
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

 ‫عواقب هذا المشروع‪ ،‬أما في اليوم الثاني فقد خرج‬              ‫أجاب الوزير بلكنة الحكيم المثقل بعلمه‪« :‬أهل‬
‫فقط الأوباش وقاطعو الطرق طم ًعا في سرقة الباب؛‬         ‫الأخدود من الشعوب الهندية التي ماتت في فيضان‬
                                                         ‫نهر بومباي في إيطاليا في عام مليون قبل الميلاد»‪.‬‬
  ‫لأنه مفتوح‪ ،‬بعد ذلك مر الكل من أمام الباب‪ ،‬ولم‬        ‫من جديد قرأ السلطان القصة على أسماع وزرائه‪،‬‬
   ‫يجرؤوا حتى على الاقتراب منه فض ًل عن قراءة‬
 ‫جدول أعمال السلطان؛ فهم لم يكونوا في حاجة إلى‬           ‫كان يوزع نظراته بينهم وبين ما يقرأ‪ ،‬شعروا أن‬
  ‫ذلك‪ ،‬كان يكفيهم أن يفتحوا الصفحة السابقة من‬          ‫عليهم أن يبدوا سعاد ًة بما يقرأ السلطان‪ ،‬وأن يثنوا‬

        ‫قصتنا هذه حتى يعرفوا برنامج السلطان‪.‬‬                        ‫على ذوقه الرفيع في اختيار القصص‪.‬‬
 ‫انتظر السلطان طوي ًل وطوي ًل أن تأتيه رسالة من‬         ‫فجأة قال لهم السلطان بحماس لا يقل عن حماسه‬
‫مواطن ما‪ ،‬وتخيل كم سيستمتع بعبثه مع مرسلها‪،‬‬
 ‫وطال انتظاره‪ ،‬ولم تصله أي رسالة‪ ،‬عندها غضب‬                ‫الحيواني‪ ،‬وهو يتلظى‪ ،‬ويذب لعابه المندلق أمام‬
 ‫بشدة‪ ،‬وأمر أن ُترسل له الرسائل‪ ،‬وإلا سيغضب‪،‬‬                 ‫موائد طعامه التي لا تعرف نهاية‪« :‬أريد با ًبا‬
                                                                                             ‫مفتو ًحا»‪.‬‬
     ‫ويخسف الأرض برعيته‪ ،‬ويجعل ماءها غو ًرا‪،‬‬                    ‫قال الوزراء بصوت واحد‪« :‬با ًبا مفتو ًحا!»‬
   ‫ويسقط سماءها قط ًعا‪ ،‬سمعت الرعية عن غضب‬
                                                        ‫قال وزير الدين الذي لطالما سمع السلطان يضرط‬
                          ‫السلطان واشتد رعبها‪.‬‬            ‫في الصلاة‪ ،‬ولم يعلق على ذلك بغير الدعاء بتقبل‬
  ‫في تلك الليلة وصلت إلى السلطان رسالة صغيرة‪،‬‬               ‫صلاته الطاهرة‪« :‬ماذا تعني بالباب المفتوح يا‬
‫ُكتبت بي ٍد فضولية‪ ،‬فض السلطان الرسالة على عجل‬                     ‫مولاي‪ ،‬أعزك الله‪ ،‬وأدامك ذخ ًرا لنا؟»‪.‬‬
  ‫وبفضول‪ ،‬وأمر كهرمانه أن يقرأها‪ ،‬قرأ الكهرمان‬
  ‫الرسالة بعينيه‪ ،‬ثم ابتسم‪ ،‬ثم شعر بقلق حيال ما‬         ‫قال السلطان‪« :‬هذه القصة ذكرتني بسلطان قرأت‬
   ‫سيقرأ‪ ،‬وللحظات شعر بأنه سيكون أول ضحايا‬               ‫عنه في ِس ْفر العالم السعيد‪ ،‬في مكان ما في الدنيا‪،‬‬
                                                       ‫يفتح السلطان باب قصره للشعب‪ ،‬ولا يعين حاجبًا‬
    ‫الباب المفتوح‪ ،‬قال السلطان له‪« :‬ما بالك؟ اقرأ»‪.‬‬
  ‫بلع الكهرمان ريقه‪ ،‬وبدأ يقرأ ما ورد في الرسالة‬           ‫على بابه‪ ،‬يكتب في قرطاس إلكتروني وبحروف‬
    ‫التي ُكتب فيها‪« :‬مولاي‪ ،‬أنا ابن المزارع دهبور‪،‬‬      ‫كهربائية جدول أعماله في ذلك اليوم‪ ،‬ومن حق أي‬
                                                       ‫فرد من الرعية مهما قل شأنه وخمل ذكره أن يقرأ‬
     ‫عمري تسع سنوات‪ ،‬أريد أن أعرف لماذا منع َت‬          ‫ذلك الجدول‪ ،‬وأن يحاسبه إن رأى أن في برنامجه‬
‫الرعية من شرب الحليب مع أنه مفيد للصحة‪ ،‬أح ًّقا‬        ‫ما لا يخدم المصلحة العامة‪ ،‬وذلك من خلال رسالة‬
  ‫أنت تملك بحيرة من الحليب تسبح فيها محظياتك‬             ‫خطية يوجهها إلى السلطان الذي عليه أن يرد على‬

                          ‫لينعمن ببشرة جميلة؟!‬            ‫رسالة المواطن في موعد لا يتجاوز مسيرة يوم‪.‬‬
    ‫ضحك السلطان طوي ًل مما سمع‪ ،‬ثم صمت‪ ،‬ثم‬               ‫ذلك السلطان أوعز إلى كاتب ديوانه أن يطلق على‬
   ‫أزبد‪ ،‬وأرعد‪ ،‬وأعلن أن سياسة الباب المفتوح قد‬          ‫هذه السياسة «سياسة الباب المفتوح»؛ لأن أبواب‬
  ‫ُعلق ْت إلى الأبد؛ لأن الباب سيغلق‪ ،‬وعلى بابه أُعدم‬    ‫قصره لا ُتغلق في وجه رعيته‪ ،‬وأنا أريد أن أطبق‬
   ‫ألف طفل ثبت أنهم يشربون الحليب في الأحلام‪،‬‬
    ‫والمحتجون على استحياء كبلهم جنود السلطان‬                                   ‫هذه السياسة مع الرعية‪.‬‬
   ‫بأغلال وسلاسل من ذهب‪ ،‬ثم أرسلهم إلى قصة‬                 ‫تعجب الوزراء مما سمعوا‪ ،‬وشعروا بالقلق من‬
     ‫أخرى كان حري ًصا على أن يكون فيها وحوش‬             ‫هذه السياسة‪ ،‬ولعنوا في دواخلهم ذلك الباب الذي‬
                                                          ‫سيتفح عليهم أبواب جهنم‪ ،‬ويغلق دونهم أبواب‬
          ‫كاسرة وأرض دون لبن‪ ،‬وقلب الصفحة‪.‬‬
   ‫سكت الراوي عن الكلام غير المباح‪ ،‬لكن الجدات‬                             ‫الجباية والحرب والاستعباد‪.‬‬
    ‫بقين يحدثن الصغار عن الأطفال الذين أُعدموا؛‬          ‫في اليوم الثاني ركب وزير الأخبار حما ًرا أخضر‪،‬‬
                                                       ‫وحمل الطبول لصبيانه‪ ،‬وأعلن على الملأ أن السلطان‬
     ‫لأنهم حلموا بالحليب الذي تستحم به جواري‬
                                      ‫السلطان‪.‬‬              ‫‪-‬أدام الله عدله‪ -‬قد استحدث مشرو ًعا وطنيًّا‬
                                                                                 ‫أسماه «الباب المفتوح»‪.‬‬

                                                           ‫في اليوم الأول لم يخرج أحد من بيته خو ًفا من‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108