Page 105 - merit 46 oct 2022
P. 105
103 إبداع ومبدعون
قصــة
تسجل حالة غش واحدة لا بنوع المشروبات المقدمة الحكاية في أول يوم لتشييد الحانة في آذار منتصف
ولا بنظافة الطعام. الأربعينيات .أما كيف َعرف ُت تاريخ الإنشاء وكيف
حفظته؟ لا ِسر ولا عقدة!
تناغمي مع الحانة الودودة هذه وإدماني منادمتها الصورة الجدارية المؤطرة بالخشب المحفور
هو خمس سنوات لا أكثر. بزخارف أنيقة والمطلي حديثًا بلو ٍن ذهبيَ ،تبين
سرجون الظريف صاحب الحانة (وهذا هو اسمه
أتمنى أن لا أكون قد أربكتكم بحسابات التواريخ المن َّمق) ،يتوسط أكوام الطوب والزلط وعمال البناء
والميلاد فهي ليست بالمعلومات النافعة لكم ،عذ ًرا المتكئين على مجارفهم ،محيطين به في أول يوم
لإنصوشرائةهاال،أابليصضورواةلأأ ْخسبوَرد ْتالمعزنَّجتجاةريتلخكها ُلِ .ص َق في
عن ذلك. زاويتها العليا اليسرى شريط من قماش الساتان
أعود إلى وصف قاعتها الشتوية لتستحضروا الأبيضُ ،خ َّط عليه تاريخ الأحد الرابع من مارس
المشهد كام ًل ،أو جز ًءا منه ،فذلك كا ٍف لمعايشة عام ،١٩٤٥تاريخ لا ُيلفت نظر ال ُج َّلس إلا أنا.
الأحداث القادمة .قاعة شبه مظلمة بسبب أنوارها جليل هذا التاريخ في حساباتي ،د َّققت فيه ،سألت
الباهته التي ل َّفها الدخان الكثيف المتصاعد فأ ْل َح َق سرجون مرات ع َّدة ،إن كان هو التاريخ الحقيقي
بها خفو ًتا أكثر .طاولات متقاربة وفسحات ضئيلة لانشاء الحانة ،وكان جوابه تأكي ًدا بالإيجاب.
بين الموائد ،فمساحة القاعة الشتوية لا تقارن لتبديد حيرتكم عن صلتي واهتمامي الزائد بهذا
بفضائها الصيفي الذي أخبرتكم عنه ،من يقصدها التاريخ ،بالأمانة التي عاهدتكم عليها ،تاريخ
متأخ ًرا ،يشير للنادل المحبوب يعقوب بما يشبه ميلادي أنا آخر العنقود في العائلة ،هو الأحد الرابع
الأمر ،أن يحشر له منضدة وكرسي بين ال ُأخريات، من مارس عام .١٩٤٥الوالد (لروحه السلام)
فتضيق المساحة أكثر ويعضل المرور بين طاولاتها. مفخايدةصولبك ٍّخل ٍّطمنج أمبينلا،ئه ِبادل ًءثالابتثاةرييدخ ِّون احتف َظ بسجل
لا أعلم علم اليقين لماذا هو؟ أهملت مراقبة رواد فيه معلومات
الميلاد ،وتاريخ دخول المدرسة ،حتى يتم الابن
الحانة كلهم حاشا واح ًدا. الثامنة عشرة من عمره.
م َّر أسبوع (أكثر ،أقل ،غير مهم) وأنا أتر َّصده في حفلة سن الرشد وهي تقليد عائلي ثابرنا عليه
بمهارة مص ِّور محترف فأراه منزو ًيا في ركن ا ُملدحرجضوفير،ديفتسرلِّ املاألحوايلادء .فسيجتلل اكلابن طالما اسم الوالد
الحفلة المحدودة
من أركان البهو الشتوي ،ينتوي مكا ًنا قصيًّا الراشد ليطالع ما ُد ِّون فيه من أحداث عاشها الابن
ُيخيَّل للناظر أنه منجحر في مقامه المقدس ،بعي ًدا منذ الميلاد حتى السن الموعود .سلمني كتابي
عن صخب غناء السكارى المتصاعد مع إيقاعات بيميني وغادرنا بعد ستة أشهر إلى العالم الأثيري.
فرقعة أصابع ال ُن ْدمان .شاب ظاهره أصغر مني وصيّته الأولى أن نستمر بتدوين ما يحدث ،ولأنني
سنًّا ،ذو شارب أسود كثيف ،وشعر لا يقل سوا ًدا كسو ٌل متراخ ،لم أ َحبِّر حر ًفا واح ًدا من أحداث
عن شاربيه ،مسدل على الكتفين ،وسوالف تشبه حياتي.
مصادفة غريبة وربما تخاطر غريب بيني وبين
خارطة إيطاليا اقتربت نهاياتها من شاربيه. هذه الحانة ربما هو السبب الأول ل َت َت ُّيمي بها.
يبقى قاع ًدا لا يريم إلا بحركاته المعتادة في ليالي لم يكن اختيار سرجون ليوم الأحد عر ًضا ،إنه
حضوره حتى غدت ُعر ًفا خا ًّصا َميَّزه عن ال ُج َّلس. يوم مبارك له ،لك َّن مولدي يوم الأحد لا ارتباط له
َيت ُّل مقدا ًرا محسو ًبا بإتقا ٍن من السائل الشفاف في بالتبرك أو الدعاء ،مصادفة لا أكثر ،مالي والأحد!
قدحه الذي يأخذ لون اللبن المغشوش بعد مداراته صاحب الحانة سرجون الظريف ،هو في منتصف
ستِّينات عمره الآن ،يذكر ذلك دائ ًما ويقول ،مضى
بنز ٍر من الماء .يرفع الكأس بيسراه ليحتسيه ثلاثون عا ًما على افتتاح حانة الطيور الذهبية ولم
بتؤدة ،يتم َّزز شرابه بشهية قبل بلعه ،ثم ُيعيد
القدح برف ٍق فو َق منضدته قرب صحن الحمص
المسلوق والغارق بعصير الليمون.
يتناول من صحنه ملعق ًة واحدة ويغمض عينيه
تلذ ًذا وهو يمضغ الحمص المسلوق والغارق
بعصير الليمون بلين و َتح ُّنن .يمسك الليمونة
الخضراء اللونَ ،يب ُّتها نصفين ويهصرهما تبا ًعا
بقوة قبضته فوق صحن الحمص المسوق ،حال