Page 108 - merit 46 oct 2022
P. 108

‫العـدد ‪46‬‬                              ‫‪106‬‬

                                                     ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

     ‫‪ -‬كل يوم أراك وحي ًدا! تنزوي في ركن الحانة‬                     ‫يكفي وحان وقت الوقوع على الحقيقة‪.‬‬
 ‫كأنه قبوك اللذيذ أو لنقل‪ :‬كأنه مملكتك‪ ،‬لا تحادث‬     ‫مه ًل‪ ،‬ما لي وهذه الحقيقة؟ ليغرق في مشاكله‬
  ‫أح ًدا‪ ،‬لا تلتفت‪ ،‬تترع كؤو ًسا أربعة وست لفافات‬                                ‫فلست قيِّ ًما عليه‪.‬‬
  ‫من التبغ وتغادر وعلامات الحزن تجلل ُمحيَّاك!!‬      ‫حاولت إبعاده عن مخيلتي‪ ،‬ولكن هناك من يقود‬
                                                     ‫هذا العقل المتطفل كلما سقط بصري على المسكين‬
      ‫ولكنك الليلة جاوزت الربع المعتاد في شرابك‬                                                                    ‫هذا‪.‬‬
   ‫اليومي وزدت كؤوسك ودخنت بشراهة و َنقر ْت‬          ‫ألزم ُت نفسي الليلة أن اجنِّد شجاعتي لهذا اللقاء‬
‫أصابعك الطاولة ودندنت بأغنية بدت جميلة أو هذا‬        ‫غير انتظار‪ ،‬أكلِّمه وأستفهم ما‬  ‫له على‬  ‫ندي ًما‬  ‫وأكون‬
    ‫ما خ َّمنته من حركات شفاهك ووجهك المُتلألِئ‪.‬‬     ‫من شجوه إن حاورته ومزج ُت‬       ‫بع ًضا‬  ‫أزيح‬     ‫به‪ ،‬ع ِّل‬
 ‫بصدق جعلتني أهيم في ذهول مفزع! أزاد همك أم‬                               ‫حواري بقليل من الدعابة‪.‬‬
   ‫انجلى هذا اليوم؟ زيادة الكؤوس تعني في ُعر ِفنا‬    ‫جلست في طاولتي المعتادة‪ ،‬شعرت أني ج ُّد قريب‬
‫نحن‪ ،‬زيادة الهموم‪ ،‬والنقر وفرقعة الأصابع تعني‬                                        ‫منه هذه الليلة‪.‬‬
                                                                          ‫زد ُت كؤوسي عد ًدا وكثافة‪.‬‬
            ‫جلاء الهموم والدخول في باحة الفرح‪.‬‬       ‫كأسان آخران من السائل الشفاف السحري وماء‬
  ‫أردت أن أقاطع كلامه وأقول شيئًا لكن الحماسة‬        ‫على‬      ‫كأني‬  ‫الآن‬  ‫بشراهة‬  ‫ميعض ُّرج‪،‬دارلبماخ َِدش َّخن‪.‬نت‬  ‫أقل لا‬
 ‫الجبارة التي ف َّخ َمت خطبته جعلتني أعدل عن ذلك‬                                                                   ‫موعد‬
                                                     ‫كأسي السادسة التي ملأتها حتى ال ُجمام وصببتها‬
                                  ‫وأصغي فقط‪.‬‬         ‫في جوفي دفعة واحدة‪ ،‬أصابتني بدوار لذيذ‪ ،‬و َخ َف َت‬
  ‫‪ -‬ج ْم ُعك النقيضين أثار فضولي فقلت قد يمكنني‬      ‫السم ُع وهدأ الصخ ُب وشرعت الملعقة تراقص‬
  ‫المساعدة‪ ،‬أح ُد ُس أنه هجران الحبيبة بلا سبب أو‬    ‫القدح أمامي على الطاولة التي أنقرها بأطراف‬
                                                     ‫أصابعي وبإيقاعات مف َّرغة من التنظيم‪ .‬القدح‬
                                    ‫كلمة وداع!!‬      ‫والملعقة تجاريان إيقاعات أصابعي النحيلة وأنا‬
                                    ‫أليس كذلك؟‬       ‫أراقب ذلك جذ ًل منتشيًا‪ .‬انتف ْخ ُت حماسة وبسالة‬
 ‫ح َّدقت فيه بعينين نافرتين فاغ ًرا فمي كتلميذ بليد‬  ‫وهممت بالتوجه نحو صاحبنا الولهان‪ ،‬تأ َّخرت‬
        ‫ُطلب منه تلاوة جدول الضرب للرقم (‪.)٩‬‬         ‫قلي ًل حين أبصرته ينوس في مقعده ثم ينهض‪.‬‬
  ‫َف َقد ُت القدرة على النطق وصرت أدمدم بأصوا ٍت‬     ‫هل سيغادر قبل انقضاء وقته الذي عهدته؟ إني‬
   ‫مالها من معا ٍن‪ ،‬صخب الحانة يعلو ثانية وعد ُت‬                    ‫أراه يتحرك عكس موقع باب الخروج‪.‬‬
  ‫أسمع قرقعة الأصابع الإيقاعية بوضوح وصوت‬            ‫إن لم يكن المُدام فعل فعلته برأسي ونقلني إلى‬
   ‫موال حزين لسكران تق َّمص دور المطرب (داخل‬         ‫عالم ال َه َوس‪ ،‬فإني أراه يتقدم صوبي مبتس ًما‪،‬‬
                       ‫حسن‪ )١‬صو ًتا وحركات‪.‬‬             ‫وهي الم َّرة الأولى التي أراه فيها بهذه البشاشة‪.‬‬
   ‫َخ َب َت ْت زقزقة العصافير في رأسي وصحوت من‬       ‫اقترب وحيَّاني بأدب‪ ،‬ورددت التحية بأحسن منها‬
 ‫فرط الفجاءة وماتت شكيمتي وقررت أن أستبقي‬            ‫وبتأدب جم‪ ،‬وقبل أن أنطق بكلمة وصلني صوته‬
 ‫ذكريات حانة الطيور الذهبية خلفي وأهرب بعي ًدا‪.‬‬                                              ‫المبحوح‪:‬‬
   ‫دار رأسي دورة كاملة كأنه رأس طير بحثًا عن‬                              ‫‪ -‬هل لي باستفسار صغير؟‬
‫مخرج‪ ،‬نبشت عن باب الخروج لكنه غاب عني فيما‬           ‫القيام‬   ‫إلاشاأنطريتهلمالأافبتعلس‪،‬امومماتقملدق ًدلتفيكفكير للسمَّيصماففتعح ًةل‬
‫خطبة صاحبي الذي انقطع ُت عن سماعه‪ ،‬استمرت‪.‬‬           ‫لأنه لم‬                                                       ‫يبادر‪.‬‬
     ‫تس َّمرت في مقامي ورفعت يد َّي الاثنتين كأني‬
      ‫أستسلم لسلا ٍح ُش ِه َر بوجهي الكليل‪ ،‬نديمي‬    ‫‪ -‬على الرحب والسعة ولكن تفضل بالجلوس أو ًل‪.‬‬
 ‫الطارئ ظ َّن كذلك أي ًضا‪ ،‬وتوقف فجأة عن خطبته‬       ‫بلا افتتاحيات أو تمهيد لحديثه وقبل استقرار‬
  ‫الإرشادية‪ .‬ما أردته بهذه الحركة هو أن يلمحني‬       ‫عجيزته على الكرسي الذي سحبه من مكان ما‬
   ‫يعقوب على وجه السرعة ويأتي خَببًا‪ ،‬فك ِّل توق‬                                     ‫باغتني القول‪:‬‬
  ‫للفرار بصحبة ربع قنينة عرق ملفوفة بآخر عدد‬
                            ‫من الجريدة الثورية‪.‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113