Page 104 - merit 46 oct 2022
P. 104
العـدد 46 102
أكتوبر ٢٠٢2
سعد نزال
(العراق)
الطيور الذهبية
في فتح المجاري التنفسية. حان ٌة َألِ ْف ُت السه َر فيها ليلة تلو ليلة .أحدثكم
الساحة الخضراء الصيفية المُ َشرعة باتجاه بصراحة ودون مواربة وأحاول جاه ًدا أن أكون
السماوات ،أقضي فيها وقتًا أطول من بهوها أمينًا ودقي ًقا باختيار كلماتي .لتصويب الافتتاح
الشتوي الشجي. أقول :حانة ألفت السهر فيها ،كلما ُتق ُت للانشراح
دعوني أبثثكم س ًّرا :مع حبي لهذه الحانة فأنا لا
أستطيب بهوها الشتوي هذا! لا تفهموني خطأ، والعبث ،كانت هذه الحانة حرزي وملاذي.
لا أقول إني أكرهه ،فهو ملاذي الوحيد في ليالي ربما تناظر شبيهاتها من الحانات في الشكل
شتائنا القارسة ،لكنَّه لا يضاهي الفضاء الصيفي والمشروبات المُ َق َّدمة ،تلك فكرة كثير ممن أعرف،
المفتوح ذا العشب الأخضر والحديقة المُن َّسقة بعناية لكنني أحتفظ برأي مخالف .هل تحسبوها بنا ًء
وعبيرها الأ َّخاذ .فضاءها الصيفي المفتوح ،هو بدل موتحصجح ًروانفاقليطرعاالإم؟حكس َّال اسلَ،بتّ ُتةد،اأرنافأيتهلمكؤسورسو احلهّرااح
الحرية المستلبة منَّا ،أو دعني أقول :المستلبة مني تسكن جسدي ،وأجس نبضها يشاطر وجداني!
البنرأسسمةياإلآلتىياةلخملن افلنوأُهرغمالمقضَّد عسينوَّيت،ححُّطينههناا، أنا .أميل أعيش معها ُصحبة خاصة وأستشعر الأمان حين
تغمرني أشغ ُل طاولتي الصيفية ،أتربع كرسيها ذا الهيكل
هنا على طاولتي الصيفية لتداعب تقاطيع وجهي المعدني الفضي المرصوف َظه ًرا و َمقع ًدا بأشرط ٍة
بتح ُّنن أُ ٍّم لوليدها الوحيد ،وتكفكف أشجاني من النايلون الملون المنسوج بما يشبه نسيج خوص
وتسافر. النخيل .طاولتي الشتوية ،التي أجلس عليها اللحظة
هوا ٌء صا ٍف رطيب يخالطه تأ ُّرج لذيذ لخضل نهري وأحادثكم ،هي منضدة ُق َّدت من خشب الزان
المقدس القريب من حانتي التي حملت اسم (حانة الناعم ،وكرسي خشبي هو الآخر ،لا أستدل على
الطيور الذهبية) منذ حفل الافتتاح حتى اللحظة. نوع خشبه المائل لل ُحمرة المشوبة بالسواد ،هو
اسم ممتع يلفت الأنظار ،لم يأ ِت عاب ًرا. مقعد ومسند ظه ٍر ُغلِّف كلاهما بقماش مخملي
قصة قديمة وطريفة ارتبطت بغيبيَّات لم أستبن رهيف زهري اللون ،لون القماش هذا جاء متآل ًفا
حقيقتها من زيفها وأحج َم سرجون عن روايتها لي
ليبتعد عن السقوط ثاني ًة في ته ُّكم من ق َّصها عليهم. مع ما بان من خشبه.
حاولت جاه ًدا أن أعرف ُمف ِّصل القصة ،أو مقتضب هذه الحانة َشغفت فضاءها الصيفي ذو العشب
لها ،وأقسمت له طو ًعا بالكتاب والإنجيل أنني لست الاخضر والحديقة المن َّسقة بعناي ِة بستاني حاذق.
من النوع المتهكم وأطمر ما أسمع في َغيابة قلبي ساحة واسعة من العشب الأخضر المتلبّد ،طورها،
السحيق الذي طوى أسرا ًرا ما عدت أنا أتذكرها! شجيرات زهور تبهج الناظر وأشجار يوكالبتوس
لكني لم أنل ثقته .عاهدتكم في البدء بأنني صريح عمرها عشرات السنين ،والدي (لروحه السلام)
وأمين معكم في ال َّرو ِّي ،أقول ،ما َق َط َر لي من أخبا ٍر دأب على تسمية هذه الأشجار بالقلم طوز .كان
حول تلك القصة الطريفة ،أن طيو ًرا ذهبية اللون يحفظ اسما ًء غريبة لأشجار وشجيرات عديدة
كانت تحوم حول الحانة مرتلة تراتيل جريجورية، نسيتها كلها إ َّل هذه القلم طوز ،كان يجمع أوراق
فقط سرجون كان يرى ويسمعَ .ح َدث ْت تلك الشجرة وينقعه بالماء الفائر؛ فتتصاعد أبخرة ذات
عطر مستطاب ،ويؤكد أن لا ننسى فائدتها العظيمة