Page 185 - merit 46 oct 2022
P. 185
حول العالم 1 8 3
وظهري لجاري؛ قاص ًدا و ُيجيل نظره فيما حوله، فيه السيِّد المجهول نظري
أن أدعه وشأنه .ث َّم أنني ومن ث َّم يعود للتحديق في أ َّول مر ٍة في ساحة «سان
ما عد ُت أسمع منه لا نأمة ماركو» حوالي الشهرين،
ولا حركة ،فاستدر ُت نحوه الأرض ،ويحادث نفسه وكانت الساحة على اتساعها
قلي ًل ،فشرع بغت ًة يتكلم، بكلما ٍت لا يسمعها غيره، لا تحتوي سوى عد ٍد قلي ٍل
وسألني بلغ ٍة فرنسي ٍة رديئ ٍة: ث َّم يهز رأسه ،ويبتسم من من السابلة الَّذين يتحركون
«أهذه أ َّول زيار ٍة ل َك في جديد ،وبقي على هذه الحالة هنا وهناك ،لكن أعلا ًما كثيرة
يقطع الساحة في ذها ًبا إيا ًبا. شرعت ترفرف مع نسائم
البندقية يا سيِّدي؟». فجعل ُت ه ِّمي وسدمي منذ البحر قبالة ذك البناء العجيب
فتكلَّف ُت الإجابة على سؤاله ذلك اليوم أن أراقبه ،إ ْذ بدا الملون الَّذي برزت أسواره
بالإنجليزية ،غير أنه ما لبث لي أن لا عمل له في هذه الدنيا
سوى المشي في الساحة المترفة الأسطورية ،ذي
أن تابع حديثه معي بلغ ٍة ثلاثين مرة متتالية ،أو ربما الرسومات الفاخرة الساحرة،
ألماني ٍة سليم ٍة خالي ٍة من خمسين ،وكان يجول هكذا وزخارفه الذهبية البارزة في
أ ِّي لهج ٍة عامي ٍة ،وبصو ٍت وحده دائ ًما ،ويتصرف وضو ٍح فات ٍن تحت صفحة
منخف ٍض أج ٍش ،وهو يتنحنح التصرفات الغريبة نفسها السماء الزرقاء الصافية،
دائ ًما ،سوا ٌء أكان الطقس
من حين لآخر: جي ًدا أ ْم رديئًا ،أكان قبل وتحلَّق قبالة البوابة الرئيسية
«أترى ك َّل هذا أ َّول مر ٍة، سر ٌب من الحمام حول فتا ٍة
أليس كذلك؟ فهل صدق ما الظهر أو بعده. تنثر حبات من الذرة على
توقع َت؟ أ ْم فاق ما توقعت؟ وشهدت تلك الأمسية -الَّتي الأرض ،كما اقتربت أسرا ٌب
آ ٍه! لم تتصورها أجمل م َّما أُخر من جميع الجهات
هي عليه؟ أهذا هو الواقع؟ أذكرها لكم الآن -عز ًفا مسرع ًة نحوها ،فيا لجمال
لعلَّك لا تريد أن يحسد َك لفرق ٍة عسكري ٍة ،وكن ُت جال ًسا ذاك المنظر الخ َّلب!!
الناس ،فلا تريد أن تبدو وكن ُت التقي ُته في ذاك المكان،
إلى طاول ٍة صغير ٍة من تلك فبقي ُت أرقبه وأنا أكتب .كان
سعي ًدا!!». الَّتي أخرجتها إدارة مقهى عجو ًزا متوسط القامة أو
ومن ث َّمة أسند ظهره على «فلوريان» إلى الساحة مع يكاد ،يمشي حاني الظهر
مسند كرسيه ،وراح يتأملني ُمسر ًعا ،وقد أمسك بكلتا
وهو يطرف سري ًعا ،ويرسم كراسيها. يديه عصا وراء ظهره،
على وجهه تعبي ًرا يستحيل ومع انتهاء الحفل الموسيق ِّي، ويعتمر قبع ًة سوداء صقيلة،
ويعتطف معط ًفا صيفيًّا
تفسيره. وبداية انفراط عقد جمع فات ًحا ،وسروال غام ًقا
ودام صمتنا وقتًا طوي ًل، الناس الغفير ،اتخذ السيِّد مخط ًطا .حسب ُته لسب ٍب ما
من دون أن نعرف كلانا المجهول مكا ًنا إلى طاولة إنجليز ًيا ،ولربما كان في
فارغ ٍة قريب ٍة مني ،وهو يبدو الثلاثين أو في الخمسين،
كيف نتابع هذا الحديث وكان ذا أن ٍف غلي ٍظ ،وعينين
الغريب النادر .وما إن همم ُت شارد الذهن. رماديتين بدا عليهما التعب،
بالنهوض حتَّى سارع ينحني ومضى علينا زم ٌن ونحن وحلي ًقا ،وترتسم على فمه
هكذا ،وشمل السكون المكان، ابتسام ٌة واهن ٌة .لم يفعل
أمامي ويسألني بهدو ٍء وفرغت ج َّل الطاولات من شيئًا سوى أن يرفع حاجبيه
وإلحا ٍح متكئًا بيديه على جالسيها ،في حين تمركز
الهلال تما ًما فوق واجهة
عصاه: «سان ماركو» ذات الطلعة
«أتعرف يا سيِّدي ما هي
خيبة الأمل؟ ولس ُت أقص ُد البهية.
فش ُل الناس فيما يبتغون، فرح ُت أقرأ في جريدتي