Page 187 - merit 46 oct 2022
P. 187

‫حول العالم ‪1 8 5‬‬

      ‫بالبلادة‪ .‬وكذلك الأمر‬        ‫صعبة تما ًما‪ ،‬وربما كان‬     ‫المتردد الخائف إلى الحقيقة‬
‫بالنسبة للسعادة‪ ،‬لكن حاجة‬      ‫أي ًضا غير صحيح القول بأن‬     ‫البعيدة‪ ،‬إلى تجربة حياتية ما‬
                                ‫مخيلتي جارت على الأحداث‬      ‫بصرف النظر عن نوعها‪ ،‬إلى‬
  ‫الإنسان للتعبير والاتصال‬                                   ‫السعادة الرائعة الم ْسكرة كما‬
 ‫اخترعت أصوا ًتا تقع خارج‬           ‫وظلمتها عندما رسمت‬
 ‫هذه الحدود‪ .‬هل أنا يا ترى‬     ‫لحريق بيت أهلي صورة أكثر‬         ‫إلى المعاناة الفظيعة الَّتي لا‬
‫السبب؟ هل يدخل عندي فقط‬                                                         ‫توصف‪.‬‬
‫مفعول كلمات معينة بطريقة‬          ‫بشاعة‪ ،‬لكن هاج ًسا خفيًّا‬
  ‫ما عبر النخاع الشوكي من‬      ‫مبه ًما وصورة بلا لون وبلا‬    ‫إنني أتذكر يا سيِّدي بوضوح‬
                                                                ‫حزين أولى خيبات حياتي‪،‬‬
   ‫الأعلى إلى الأسفل؟ بحيث‬         ‫شكل لشيء أكثر فظاعة‬           ‫وأرجوك ملاحظة أنني لا‬
  ‫تثير في داخلي هواجس عن‬        ‫بالفعل بقيا في داخلي‪ ،‬وبدت‬        ‫أقصد بالخيبة فلول أمل‬
‫تجارب حياتية لم تحدث قط؟‬                                       ‫من الآمال الحلوة‪ ،‬بل أعني‬
‫لقد خرجت إلى معترك الحياة‬           ‫الحقيقة بالمقارنة معهما‬
 ‫مملو ًءا بالرغبة في تجربة أو‬                ‫كامدة باهتة‪.‬‬    ‫حلول كارثة إن صح التعبير‪،‬‬
‫مغامرة تنسجم مع توقعاتي‬                                       ‫كنت طف ًل تقريبًا عندما شب‬
   ‫العظمى‪ ..‬فليساعدني الله‪.‬‬          ‫كان الاحتراق تجربتي‬
‫إذا لم يكن لي في ذلك نصيب‪،‬‬      ‫الحياتية الكبرى الأولى وقد‬        ‫في بيت أهلي حريق ليلي‪،‬‬
 ‫لقد همت على وجهي قاص ًدا‬        ‫كانت خيبة أمل رهيبة‪ ..‬لا‬      ‫وراحت ألسنة النار تتسلل‬
 ‫زيارة الأماكن الأكثر شهرة‬        ‫تخشى يا سيِّدي أن أتابع‬       ‫خفية وتتمدد حولها‪ ،‬حتَّى‬
                                 ‫حديثي وأروي لك خيباتي‬
    ‫ومدي ًحا على الأرض‪ ،‬كي‬      ‫الأخرى‪ ،‬أكتفي بالقول إنني‬          ‫التهمت الطابق الصغير‬
     ‫أنضم إلى تلك المنجزات‬                                          ‫ووصلت باب غرفتي‪،‬‬
 ‫الغنية الَّتي ترقص البشرية‬       ‫وبحماس بائس قد غذيت‬         ‫وأوشك السلم الخشبي على‬
    ‫حولها بأكبر الكلمات لقد‬        ‫توقعاتي النبيلة السامية‬   ‫الاحتراق أي ًضا‪ ،‬كنت أول من‬
  ‫وقفت أمامها وقلت لنفسي‬           ‫من الحياة بآلاف الكتب‪،‬‬    ‫اكتشف الكارثة‪ ،‬وأعرف أنني‬
 ‫إنها جميلة‪ ،‬ولكن ألم تصبح‬                                       ‫اندفعت خارج البيت وأنا‬
  ‫أجمل؟ وهل هذا كل شيء؟‬              ‫لأعمال الشعراء‪ ،‬آه يا‬    ‫أطلق الصرخة تلو الصرخة‪:‬‬
                                 ‫سيِّدي‪ ،‬لقد تعلمت أن أكره‬     ‫إنها تحترق‪ ..‬إنها تحترق‪..‬‬
        ‫ليس عندي إحساس‬         ‫هؤلاء الشعراء الَّذين يكتبون‬   ‫إني أتذكر هذه الكلمات الآن‬
   ‫بالمعطيات الواقعية‪ ،‬وربما‬   ‫كلماتهم الكبيرة على الجدران‬      ‫بدقة متناهية‪ ،‬وأعرف أي‬
‫يقول ذلك كل شيء‪ .‬في مكان‬                                         ‫شعور كان المصدر الَّذي‬
 ‫ما من هذا العالم وقفت ذات‬         ‫كلها ويفضلون رسمها‪،‬‬           ‫يطلقها‪ ،‬ولو أنه لم يصل‬
  ‫مرة على جبل أطل منه على‬             ‫بعصا خشبية سوداء‬         ‫تما ًما إلى درجة الوعي‪ ،‬إنه‬
   ‫هوة سحيقة ضيقة‪ .‬كانت‬                                      ‫كما أحسست‪ :‬حادثة احتراق‬
   ‫جدرانها الصخرية عارية‬        ‫مأخوذة من بركان فيزوف‪،‬‬         ‫داخلي‪ ،‬وأنا أعيش الآن هذه‬
‫وعمودية‪ ،‬وفي الأسفل كانت‬          ‫على صفحة السماء‪ ،‬بينما‬      ‫الحادثة وأتساءل‪ :‬ألم تصبح‬
                                  ‫لم أستطع أنا إلا أن أحس‬      ‫أفظع مما كانت عليه؟ وهل‬
     ‫المياه تهدر عند مرورها‬       ‫كل كلمة كبيرة منها كذبة‬      ‫هذا هو كل شيء؟ الله يعلم‬
   ‫بالكتل الصلبة‪ .‬نظرت إلى‬                                   ‫أنها لم تكن حادثة صغيرة أو‬
  ‫تحت وفكرت‪ :‬ماذا لو أنني‬       ‫وافتراء‪ .‬لقد غنى لي شعراء‬    ‫تافهة‪ ،‬لقد تهدم البيت بكامله‬
    ‫سقطت؟ وكان عندي من‬           ‫حماسيون بأن اللغة فقيرة‬      ‫من الاحتراق‪ ،‬وأنقذنا حياتنا‬
                               ‫بالنسبة لهم‪ .‬آه‪ .‬يدعون أنها‬       ‫بجهد كبير وخطر محدق‬
     ‫الخبرة ما يكفي لأجيب‬       ‫فقيرة ولكن لا يا سيِّدي أنا‬    ‫عظيم‪ ،‬وأصبت أنا بحروق‬
      ‫بنفسي‪ :‬إذا حدث ذلك‬       ‫أعتقد أن اللغة غنية‪ ،‬بل ثرية‬
                                 ‫بلا حدود مقارنة مع بؤس‬

                                      ‫الحياة وضيق أفقها‪.‬‬
                                ‫إن للألم حدوده فهو ينتهي‬

                                   ‫جسد ًيا بالإغماء ونفسيًا‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192