Page 188 - merit 46 oct 2022
P. 188

‫العـدد ‪46‬‬                             ‫‪186‬‬

                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬                         ‫فسأقول لنفسي‪ :‬ها أنت‬
                                                                     ‫ذا تسقط‪ ،‬وهذا أمر واقع‪،‬‬
   ‫وأنت لم تعد تصغي تما ًما‬          ‫الحالتين ويعاد إلى الوعي‬      ‫ولكن ما معنى ذلك يا ترى؟‬
   ‫إل َّي؟ ولهذا أريد أن أعترف‬       ‫البارد البليد وهو يتشوق‬          ‫هل تريد أن تصدق أنني‬
  ‫اليوم ولو مرة واحدة أنني‬        ‫لأن يذوب في خضم اللانهاية‬         ‫عشت بما يكفي كي أشارك‬
  ‫أنا أي ًضا حاولت في السابق‬      ‫الغزير‪ .‬كثي ًرا ما أتذكر اليوم‬
                                     ‫الَّذي نظرت فيه إلى البحر‬                ‫الآخرين الكلام؟‬
       ‫مشاركة هؤلاء البشر‬          ‫أول مرة‪ .‬البحر كبير‪ ،‬البحر‬     ‫أحببت فتاة قبل سنوات وهي‬
    ‫كذبتهم‪ ،‬كي أظهر سعي ًدا‬         ‫واسع‪ ،‬وامتدت نظرتي من‬          ‫مخلوق ودود وناعم‪ ،‬تمنيت‬
 ‫أمام نفسي وأمام الآخرين‪،‬‬         ‫الشاطئ إلى أبعد ما تستطيع‬
‫ولكن مضت الآن سنوات على‬             ‫وصوله‪ ،‬تمنيت أن أتحرر‪،‬‬          ‫أن أحيطه بحمايتي وأمسك‬
  ‫انهيار هذا الغرور وصرت‬                                          ‫بيده في الحياة‪ ،‬لكن البنت لم‬
‫بعدها وما زلت وحي ًدا بائ ًسا‬          ‫ولكن لم يكن هناك غير‬       ‫تحبني ولم يكن الأمر عجيبًا‪،‬‬
                                  ‫الأفق‪ ،‬لماذا يكون لي أفق؟ لقد‬   ‫لأنها سمحت لآخر بحمايتها‪.‬‬
     ‫وغريب الأطوار أحيا ًنا‪،‬‬                                       ‫فهل ثمة تجربة أكثر إيلا ًما؟‬
    ‫لا أنكر ذلك‪ ،‬إنها هوايتي‬       ‫أردت من الحياة لا نهايتها‪،‬‬
‫المفضلة أن أتأمل سماء الليل‬         ‫وربما كان أفقي أضيق من‬           ‫هل هناك شيء أشد وخ ًزا‬
   ‫المرصعة بالنجوم‪ ،‬أليست‬           ‫آفاق غيري من البشر؟ لقد‬        ‫من هذه المحنة الَّتي امتزجت‬
  ‫هذه أفضل طريقة للابتعاد‬
  ‫عن الأرض والحياة عليها؟‬              ‫قلت إن ما ينقصني هو‬             ‫بلذة حسية تعيسة؟ لقد‬
    ‫وربما كان مغفو ًرا لي أن‬         ‫الإحساس بالوقائع‪ .‬ولكن‬         ‫قضيت ليالي عديدة مفتوح‬
 ‫أحاول بها حماية هواجسي‬             ‫هل أحس بالواقع أكثر مما‬          ‫العينين‪ .‬لكن الأكثر حز ًنا‬
                                      ‫يجب؟ ألن أستطيع قريبًا‬          ‫وتعذيبًا من كل شيء هو‬
                 ‫على الأقل‪..‬‬
   ‫أما مسألة أن أحلم بحياة‬             ‫الاستمرار؟ هل سأكون‬            ‫الفكرة القائلة إن هذا هو‬
‫متحررة تتبلور فيها الحقيقة‬            ‫منتهيًا أسرع من المعتاد؟‬         ‫الألم العظيم‪ ..‬وها أنا ذا‬
‫داخل هواجسي الكبرى دون‬                ‫ألا أعرف السعادة والألم‬     ‫أعانيه الآن‪ .‬فما هو هذا الألم‬
‫بقايا الخيبة المؤلمة المعذبة؟ أن‬     ‫إلا بأدنى وأحد درجاتهما‬         ‫يا ترى؟ هل ضروري أن‬
 ‫أحلم بحياة لم يعد لها أفق؟‬          ‫وأكثرها ضحالة وميوعة؟‬         ‫أحدثكم عن سعادتي؟ لأنني‬
‫فأنا أحلم هكذا يا سيِّدي وأنا‬                                        ‫كنت قد جربتها وخيبتني‬
 ‫أنتظر الموت‪ ،‬آه‪ .‬إنني أعرفه‬             ‫أنا لا أصدق ذلك ولا‬        ‫أي ًضا؟ لا حاجة لذلك‪ ،‬وعلى‬
  ‫تما ًما‪ ،‬إنه الخيبة الأخيرة‪..‬‬     ‫أصدق البشر باستثناء تلك‬          ‫كل حال فهذه مجرد أمثلة‬
 ‫أهذا هو الموت؟ أقول لنفسي‬           ‫الإقليمية منهم الَّتي تقبل‪،‬‬      ‫سمجة لا توضح لكم أن‬
  ‫في اللحظات الأخيرة ها أنا‬                                          ‫الحياة بكاملها وبشمولها‪،‬‬
    ‫ذا أجربه‪« ..‬ما هو هذا يا‬          ‫فقط بدافع الحياة‪ ،‬قراءة‬     ‫بمسيراتها الوسطية والرتيبة‬
                                     ‫الكلمات الكبيرة للشعراء‪..‬‬
                   ‫ترى؟»‪..‬‬         ‫وهذا طب ًعا جبن وكذب‪ ..‬هل‬              ‫الكامدة‪ ..‬قد خيبتني‬
     ‫لكن الطقس صار بار ًدا‬          ‫لاحظت يا سيِّدي بالمناسبة‬              ‫وخيبتني وخيبتني‪.‬‬
   ‫في الساحة يا سيِّدي‪ ،‬وأنا‬                                       ‫لقد كتب الشاب فيرتر مرة‪:‬‬
   ‫قادر على الإحساس بذلك‬                ‫أن ثمة بش ًرا يطفحون‬      ‫ما هي ماهية الإنسان نصف‬
‫حوح‪ ..‬سأنصرف متمنيًا لك‬            ‫غرو ًرا ويتحرقون شو ًقا إلى‬     ‫الإله المعظم؟ ألا تنقصه تلك‬
                                    ‫أن يحترمهم الآخرون علنًا‬        ‫القوى الخفية كلما اشتدت‬
                  ‫الأحسن‪..‬‬        ‫ويحسدوهم س ًّرا وأن هؤلاء‬         ‫حاجته إليها؟ وعندما يحلق‬
                                  ‫البشر ي َّدعون أنهم لم يجربوا‬    ‫في ملكوت المتعة أو يغرق في‬
                                                                   ‫بئر العذاب؛ ألا يستوقف في‬
                                     ‫في حياتهم سوى الكلمات‬
                                   ‫الكبيرة عن السعادة‪ ،‬وليس‬

                                                  ‫عن البؤس؟‬
                                      ‫لقد حل الظلام يا سيِّدي‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193