Page 99 - merit 41- may 2022
P. 99
97 إبداع ومبدعون
القصــة في سوريا
*** تح َّطمت ،وبسقوطها ا َّتصل العالمان ،وش َّكلا عالمًا
واح ًدا متداخ ًل دون أ ِّي حواجز.
أمام مرآة الح َّمام هذه الم َّرة بعد أن تح َّطمت المرآة
في غرفة نومها .مضى على الحادث أق ُّل من ساعة، نظرت المرأة التي كانت خارج المرآة إلى شبيهتها
ورغم قصر الوقت فقد استطاعت أن تن ِّظف المكان التي كانت في الداخل .رأتها مستلقي ًة على الأرض
جيِّ ًدا .لحسن الح ِّظ ،لم تحتج إلى جه ٍد كبي ٍر للتخلُّص وسط بركة من الدم .دم يتد َّفق من ثق ٍب في الجبين
على شكل نافور ٍة شديدة الغزارة رغم صغر الثقب.
من الجثَّة ،فقد فاجأها جفافها السريع .خلال يسيل الدم ويتق َّدم ،وهي واقف ٌة في مكانها مبهوت ًة
دقائق أصبحت مومياء بلا وز ٍن تقريبًا ،وعندما وعاجزة .ث َّم انتبهت إلى أ َّنه غمر قدميها .حملتها
حاولت نقلها أخذت تتفتَّت بين يديها .تح َّولت إلى الغريزة التي تشمئ ُّز من الدم مهدو ًرا بهذه الطريقة
مج َّرد رما ٍد جمعته بالمكنسة ،ث َّم عبَّأته في كيس من
البلاستيك ،ورمت به في حاوية القمامة في الخارج. الرخيصة على التراجع نحو الوراء .ث َّم شعرت
بشي ٍء ينسحق تحت حذائها .ورغم ك ِّل الارتباك
أمام مرآة الح َّمام ،لا لتصلح الخلل في أحمر الشفاه
قبل أن تخرج للتس ُّوق كما كانت تعتزم وحسب، الذي كانت فيه ،والخوف ،والذهول ،وما يشبه
بل لتتأ َّكد أي ًضا أ َّن الحادث لم يفسد شيئًا آخر في
مظهرها. غياب الوعي ،فقد نظرت إلى الأسفل ،وهي على
يقي ٍن ،من طبيعة الصوت الذي صدر عن حذائها،
نظرت جيِّ ًدا .فركت عينيها .ق َّربت وجهها .أبعدته. أ َّنها داست حشر ًة ما .تو َّقعت أن تكون خنفساء
مسحت زجاج المرآة ..لك َّن شيئًا من ذلك لم ينفع.. أو صرصا ًرا .ث َّم سرعان ما عرفت أ ّنه قلم الحمرة
الذي سقط من يدها قبل قليل وقد تح َّطم غلافه
لم تر نفسها..
الخارج ِّي ،وتح َّولت الما َّدة داخله إلى معجو ٍن لا
ق َّدرت أ َّنها متعبة ،وأ َّن ما يجري معها أمام المرآة يختلف في درجة حمرته عن الدم.
ليس إلا وه ًما بتأثير هذا التعب.
أطلقت صرخ ًة ،غير أ َّن حنجرتها ،كما هو حال
غادرت الح َّمام با ِّتجاه غرفة النوم .وقفت عند جميع أعضاء جسدها ،كانت متشنِّج ًة ،مضغوط ًة
النافذة المفتوحة تبحث عن جرعة هوا ٍء نظي ٍف تعيد
إليها صحوها المفقود .رأت جارتها في الش َّقة المقابلة على ذاتها إلى الح ِّد الذي لم يسمح للصرخة بأن
تخرج بشك ٍل طبيع ٍّي .بل إ ِّنها لم تكد تتجاوز حدود
تد ِّخن سيجار ًة على الشرفة .وكالعادة ،ل َّوحت لها
بيدها .ث َّم ألقت عليها التحيَّة .لك َّن الجارة لم تر ّد ،بل الشفتين ،مخلِّف ًة صو ًتا أقرب إلى عواء حيوا ٍن
محتضر منه إلى الصراخ ،ث ّم ارت َّدت إلى الداخل،
تجاهلتها تما ًما ،كأ َّنها لا تراها أص ًل..
أغاظها هذا البرود منها .ف َّكرت أن تدخل ،غير أ َّنها مسبِّب ًة لها إحسا ًسا فظي ًعا بالألم.
كانت المرأة المصابة ما تزال حيَّ ًة ،بدليل الاختلاجات
خشيت أن تفهم الجارة انسحابها هزيم ًة مذلَّ ًة
العنيفة التي كانت تصدر عن جسدها الغارق
ألحقتها بها..
بقيت في مكانها عند النافذة المفتوحة .ظلَّت تراقب بالدماء .وأش ُّد ما أثار الذعر في قلب المرأة الأخرى
هو حركة الساقين .كانتا ترتفعان إلى الأعلى ث ّم
جارتها على الشرفة وهي تد ِّخن .رأتها تلقي ع َّدة
نظرات نحوها.. تنخفضان ،ومع ك ِّل ارتفا ٍع وانخفا ٍض كان الثقب
في جبينها يض ُّخ كميّ ًة إضافيَّ ًة من الدم .خطر في
-يا للوقاحة! ذهنها أ َّنها لو ثبّتت الساقين فر َّبما توقف النزف،
ف َّكرت.. وقد تتم َّكن من إنقاذها ،لكنَّها لم تفعل .ظلَّت واقفة
في مكانها ترقب الساقين وهما يواصلان صعودهما
عندما انتهت الجارة من التدخين رمت بالعقب على وهبوطهما ،والدم يواصل تد ُّفقه ،والحياة تواصل
الأرض .ح َّركت حذاءها فوقه م َّرتين أو ثلا ًثا كما
لو كانت تسحق خنفساء أو صرصا ًرا .ث َّم ألقت تس ُّربها ،والضوء الذي كان يش ُّع من العينين
نظر ًة أخير ًة حزين ًة نحو النافذة المفتوحة في الش َّقة يواصل انطفاءه ..إلى أن انتهى ك ُّل شيء..
المقابلة ،واستدارت إلى الداخل..