Page 241 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 241
239 ثقافات وفنون
حوار
أن تكون في زمن صلاح فائق هذا حاوره : التي يعرفها ،قلعتها وجسورها
يعني ،أنك محظوظ بما فيه الكفاية وبساتينها وأرصفة شوارعها
لترى آخر أنبياء الشعر من جماعة سمر لاشين ونرجس ربيعها ،كل شيء تغير،
كل شيء ما عاد يشبه تلك الرائحة
كركوك. ( )1968 -1964تلك الجماعة التي
سنبدأ من المكان الذي تراءت لك خدمها كون أعضائها من مدينة في قلبه.
فيه أشباح ال ّشعر لأول مر ٍة في واحدة وانتمائهم الأيديولوجي ذات مرة فكر صلاح فائق وهو
السياسي واحد للحزب الشيوعي يسحب جزيرة بحب ٍل إلى بيته؛
بي ٍت لأ ٍم كردية وأب تركماني، العراقي ،وأو ًل وأخي ًرا حبهم بالوعد الذي قطعه لرفاقه ،بأن
في مدينة كركوك ،تلك المدينة للشعر والأدب ،وبالرغم من أنه يعود إليهم بدراجة من الفيليبين،
الصغيرة التي أراها عبارة عن تلك التي اشتراها حين كان جند ًّيا
ديوان شعر ُكتب بلغة سومر ّية، لم يصدر عنها أي بيان أو برنامج من «سوق هرج» بدينارين .وخطط
عنوانه جماعة كركوك ،يضم مشترك أو جريدة تجمعهم ،لكن حتى لمكان جلستهم ،التي لن تكون
قصائد ملائك ّية شيطان ّية حية كان لها أثر كبير في تحريك المياه
الراكدة في البيئة الثقافية والأدبية في مقهى المجيدية ولا في بيت
ومتجددة تصلح لكل زمان أحدهم بل سيذهبون إلى كنيسة
ومكان ،عناوينها (سركون في العراق آنذاك .أي ًضا عمل العديد
بولص ،وصلاح فائق ،وجان من الوظائف «عمل ف ّرا ًنا ثم بنّا ًء الأب يوسف سعيد ،يشربون
د ّمو ،ومؤيد الراوي ،وأنور النبيذ ويقرأون الشعر.
الغساني ،وفاضل العزاوي ثم صبا ًغا ثم عام ًل في شركة الغاز
ثم عام ًل في السكة الحديدية». لو تمكن صلاح فائق من الذهاب
وقصائد أخرى).. وفي عام 1974م غادر صلاح ح ًّقا إلى كركوك بدراجته كما
ما الذي أعطته لك تلك المدينة وعدهم ،سيجد حش ًدا من
غير الرفاق والشعر وأب وأم فائق العراق بمساعدة عبد الوهاب السومريين بانتظاره ،فاسمه
وهباك تنوع اللغة والثقافة؟ البياتي إلى دمشق ثم بيروت ،وفي مدون بالخط المسماري على
وما الذي تفقده هناك وتح ُّن له
عام 1976م هاجر الشاعر إلى ألواحهم الطينية منذ آلاف السنين،
الآن؟ بريطانيا وعاش فيها لأكثر من وسيذهب ككل مرة إلى قلعة
طب ًعا أفتقد تلك المدينة ،كركوك، عشرين عا ًما .ثم هاجر بعد ذلك في
كما كانت في طفولتي ومراهقتي عام 1993إلى الفيليبين حيث ما كركوك مكان ولادته ،ويقبل يد
وبقيت فيها حتى نهاية ستينات أمه ويغني بصوت عذب كما تعود
يزال مقي ًما حتى هذا اليوم.
القرن الماضي ،حيث غادرتها صلاح فائق المتورط مع وحدته مع أبيه ،إلا أنه في الوقت ذاته
مرتين ،الأولى حين التحقت -لا رفيق له سواه -الذي يتحايل سينشغل بالبحث في كل مكان عن
بالحركة الكردية آنذاك وبعد على شيخوخته ويخبئ في جانبها صلاح فائق الذي كانه ،عن الطفل
الانقلاب الدموي العسكري لحزب المظلم حدائقه الشعرية لم يس َع إلى الذي كان يكتب ال ِّشعر بالطباشير
البعث وحلفائه في شباط 1963 شيء ولم يطلب أب ًدا ود أحد ،لكنه
والمجازر التي قام بها .التحاقي نجح بما قدمه من منجز شعري على الجدران والذي يهرب منه
كان إلى تنظيم الحزب الشيوعي في وتجربة ثرية وفريدة أن يجعل كلما قابله في قصيدة .لو تمكن
الثورة الكردية .وبقيت فيها حتى الجميع يقف ،حيث أريد ،وبما يليق ح ًّقا من الذهاب إلى كركوك؛ لزار
أواسط العام .1964عدت بعدها بنبي سومري؛ فترجمت أعماله كما تمنى ضريح أحد الأولياء
إلى مدينتي .قرر ُت أني أرغ ُب إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية وربط خر ًقا ملونة بسياج قبره
مغادرة العراق لكن حصولي على والكردية ،و ُع ّد من أكثر الأصوات
جواز سفر كان مستحي ًل بدون الشعرية شهرة في الربع الأخير القديم.
صلاح فائق شاعر عراقي ولد
انهاء الخدمة العسكرية. من القرن العشرين. عام 1945م في مدينة كركوك لأب
تركماني وأم كردية ،انخرط في
صفوف جماعة كركوك الأدبية