Page 243 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 243

‫بعد نصف قرن ما زالت تلك المدينة‬
‫معي‪ ،‬وأيضا حين أقمت في عدة بلدان‪،‬‬
 ‫ذلك لأنها كانت الأصل وبداية شعري‪،‬‬

  ‫أصدقائي‪ ،‬الأهل‪ ،‬وذلك التنوع اللغوي‬
 ‫والقومي والبيئي‪ ،‬الجغرافي‪ ،‬للمدينة‪.‬‬
‫صحيح أننا في الغربة الطويلة نكتسب‬

    ‫خبرات ونحيا تجارب جديدة على كل‬
‫صعيد‪ ،‬إضافة إلى تأثير البيئات وتشكل‬

  ‫ذاكرة أغنى‪ ،‬إلا أن الحنان يتلهف إلى‬
             ‫المشاهد الأولى وشعريتها‬

 ‫الصحيح بين الكثبان‪ .‬هذا يسمى‬      ‫شحاذ يطلب حسنة منك‪ ،‬ومرة‬            ‫في صيغة انطباعات وملاحظات‪،‬‬
 ‫موقع جوجل لخرائط العالم‪ .‬كما‬     ‫طفل يأخذك من يدك إلى مدرسته‬        ‫وكانت مهمة‪ .‬رفضنا التجاوب مع‬
                                                                      ‫الخط الأدبي‪ ،‬والشعري‪ ،‬الرسمي‬
    ‫اختفى مشهد المتسولين لأني‬            ‫الابتدائية‪ ،‬وفي كل مرة لا‬
  ‫أشرت إليهم إلى مواقع كنوز في‬     ‫تعرفه‪ .‬وحين تسأله عن اسمه‬            ‫آنذاك‪ ،‬لأنه عمل على استخدامه‬
‫قصائدي وأظنهم مازالوا يبحثون‪.‬‬       ‫ويخبرك؛ إما أن يختفي هو أو‬        ‫إعلاميًّا لأغراض سياسية‪ ،‬وكانت‬
   ‫الطفل الذي في السؤال لم يكن‬
   ‫إلا أنا وقد استدعيته إلى ساحة‬       ‫تغلق أنت بابك في وجهه‪..‬‬                 ‫ضحلة المستوى جماليًّا‪.‬‬
                                   ‫متى ستجلسان م ًعا‪ ،‬تتشاركان‬         ‫أهمية لقاءاتنا في فترة حصارنا‪،‬‬
     ‫مدرستي الأولى‪ ،‬لأن البراءة‬
 ‫كانت واضحة في وقفته وإجاباته‬        ‫نفس القصيدة ونفس فنجان‬               ‫كانت في المشاركة وتشخيص‬
 ‫على أسئلتي‪ .‬هذا ما كنت عليه في‬    ‫القهوة وتخرج له كل الأشجار‬          ‫أهميتها أو مواطن ضعفها‪ .‬أكثر‬
                                    ‫والحيوانات والغابات والجزر‬         ‫من مائة كتاب‪ ،‬قصص وروايات‬
   ‫طفولتي‪ ،‬وحين أتذكره فلأجل‬      ‫والبلدان والحيوات التي تخبئها‬       ‫ومسرحيات وتراجم‪ ،‬ومجموعات‬
 ‫أن يمنحني‪ ،‬أو يتكرم عليّ ببعض‬    ‫في دولاب أحلامك وسنين عمرك‬           ‫شعرية‪ ،‬من إنجاز هذه الجماعة‪،‬‬
 ‫التفاؤل في عالم مهدد بالكوابيس‬
                                                         ‫الفائتة؟‬         ‫ولا أظنها متوفرة كلها ككتب‬
                    ‫بشكل دائم‪.‬‬          ‫علاقتي مع صلاح فائق‪ ،‬في‬       ‫ورقية في العراق أو بلدان عربية‪،‬‬
   ‫وهناك صو ٌر بلا نهاية‪ ،‬لأعوام‬   ‫السنوات الأخيرة‪ ،‬سلمية‪ .‬كانت‪،‬‬     ‫لكنها موجودة في معظمها في صيغ‬
    ‫حياتي الأولى‪ ،‬معبأة بالأوهام‬       ‫في الماضي‪ ،‬مكتظة بصراعات‬
 ‫والقصص المتطرفة حول ماض َّي‬        ‫وعدم رضا‪ ،‬ثم تواجهنا وقررنا‬          ‫إلكترونية في مواقع الإنترنيت‬
   ‫قبل الولادة‪ ،‬وأظنها سترافقني‬       ‫تخفيف مطالبنا وحل خلافاتنا‬        ‫وصفحات أعضائها أو من بقي‬
 ‫إلى ما بعد وجودي الراهن‪ ،‬وهذا‬     ‫بالتفاهم وتأجيل بعض التوتر إلى‬      ‫منهم ومن ينشر أعما ًل لهم بين‬
 ‫شكل من أشكال كرمها وطيبتها‪.‬‬
  ‫وكما قلت دائ ًما فإنني محظوظ‬                      ‫سنوات مقبلة‪.‬‬                        ‫فترة وأخرى‪.‬‬
                                    ‫لم تعد قوافل تظهر مدعية بأنها‬         ‫كثي ًرا ما يطرق صلاح فائق‬
                   ‫لهذا السبب‪.‬‬      ‫ضائعة وقد وفرت لها استخدام‬            ‫بابك ويأتي إليك في هيئات‬
    ‫لو عاد بك الزمن إلى الوراء‬    ‫التكنولوجيا في العثور على اتجاهها‬       ‫عديدة‪ ،‬مرة رجل في صوته‬
                                                                     ‫صراخ قافلة ضائعة‪ ،‬ومرة رجل‬
   238   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248