Page 246 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 246

‫العـدد ‪28‬‬                              ‫‪244‬‬

                                    ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

  ‫يكتمل العمل‪ ،‬وإدخال تعديلات‬          ‫وعندهم أي ًضا الهجاء والطرافة‪،‬‬      ‫هذا دفاع عن نفسي لأن السريالية‬
 ‫وإضافات أو مراجعات عليه لأنه‬            ‫وهم من بناة المدينة والقلاع‪،‬‬          ‫أي ًضا صارت أيديولوجيا ولها‬
  ‫سيطيح بالقوة التعبيرية للنص‪.‬‬           ‫ومنها قلعة مدينتي‪ ،‬كركوك‪.‬‬             ‫نظرياتها‪ ،‬بينما بذرتها الأولى‬
                                                                              ‫في الكشوفات التي توصل إليها‬
    ‫لكن يمكن التريث عند الكتابة‬        ‫أتباهى بكوني مولو ًدا في مدينة‬           ‫سيغموند فرويد حول الحلم‬
   ‫والصبر حتى تتبلور العناصر‬        ‫السومريين‪ .‬يكفي ملحمة كلكامش‬                 ‫وتوارد الخواطر واللاوعي‪.‬‬
                                     ‫كأعظم أثر تاريخي على مستويات‬                 ‫نعم هناك أي ًضا حالات من‬
       ‫ببطء إلى الصيغة النهائية‪.‬‬
   ‫أنا فقط أضيف القليل أو أمحو‬        ‫كثيرة‪ ،‬فكرية وشعرية وسردية‪.‬‬           ‫التصوف‪ ،‬وهي أص ًل هذيانية في‬
‫الأقل أي ًضا‪ ،‬إذا ترك ُت النص لزمن‬        ‫عندما نقارن هذا بالأوضاع‬             ‫كتابات البداية‪ .‬كل أيديولوجيا‬
‫طويل‪ ،‬وهذا يعني تغيي ًرا في حالي‪،‬‬        ‫الثقافية الراهنة في هذه الأمة‬
   ‫مما يتي ُح إجراء تعدي ٍل طفيف‪.‬‬                                          ‫تحاول‪ ،‬مع مرور الزمن أن تصير‬
   ‫الأفضل‪ ،‬في رأيي‪ ،‬دخول غابة‬          ‫البائسة‪ ،‬فإني لا يمكنني إلا أن‬         ‫دينًا أو تتشبّه بالدين من خلال‬
‫جديدة واكتشاف المبهر فيها‪ ،‬بدل‬          ‫أصف هذه الأوضاع بالجنون‬
 ‫العودة الى أرصفة حملت قدميك‬           ‫وقادتها بالمجانين لكثرة عقدهم‬       ‫قناعات وعادات ثابتة في الممارسة‬
 ‫مرا ٍت كثيرة‪ ،‬وهي بلا مفاجئات‪.‬‬         ‫النفسية وهيمنتهم على الأرض‬                 ‫الشعرية‪ ،‬الأدبية والفنية‪.‬‬

                                             ‫والبشر بالعنف والكذب‪.‬‬               ‫أنا لا سلطوي في كل شيء‪،‬‬
                                           ‫وهذا منذ بدايات هذه الأمة‬              ‫كذا كتابتي‪ .‬أحاول جهدي‬
                                         ‫بأديانها الكابوسية وأوهامها‬          ‫تفادي المجاز والتشبيه والرمز‬
                                      ‫القومية‪ .‬باختصار إن الفرق بين‬            ‫والأساطير‪ ،‬فهي ع ّكازات وقد‬
                                        ‫تخلف العرب والغرب المتقدم‪،‬‬         ‫استنفدت طاقاتها منذ زمن طويل‪.‬‬
                                       ‫هو الفرق بين التقويم الهجري‬          ‫أح ّب الصورة المادية في القصيدة‪،‬‬
                                       ‫والميلادي‪ ،‬أي أكثر من ستمائة‬          ‫سرد ما أرى وما أشعر وأتخيل‬

                                                              ‫سنة‪.‬‬                  ‫برهافة‪ ،‬فالقصيدة أنثى‪.‬‬
                                    ‫المشكلة أننا نتخلف أكثر كلما مرت‬       ‫الدارس لقصائدك والمتعمق فيها‬
                                    ‫الأعوام‪ .‬الأنظمة السابقة‪ ،‬الملكية في‬
                                                                               ‫يجد أنك بعين الخبير تشير‬
                                      ‫العراق مث ًل‪ ،‬كانت أفضل مليون‬           ‫باستمرا ٍر وبغض ٍب متهك ٍم إلى‬
                                       ‫مرة من الأوضاع التي تشكلت‬              ‫خرائبنا ومشاكل مجتمعاتنا‬
                                                                            ‫العربية‪ ،‬وأنك لم تترك فئة من‬
                                          ‫بعدها‪ .‬كما أن كل ما عندنا‪،‬‬          ‫فئات المجتمع إلا طالها نقدك‬
                                     ‫ثقافيًّا اي ًضا‪ ،‬بما فيه قصيدة النثر‬   ‫اللاذع وتهكمك وسخريتك‪ ،‬ولم‬
                                                                             ‫تستث ِن من ذلك سوى طائفتك‬
                                        ‫المحبوبة‪ ،‬مستورد من الغرب‪.‬‬
                                          ‫ماذا أضفنا خلال ألف سنة‬                ‫السومرية‪ .‬ما الذي يعطي‬
                                         ‫الأخيرة إلى العالم؟ الفوضى‪.‬‬         ‫السومريين امتيازات تجعلهم‬
                                                                           ‫خارج هذا الخراب؟ وهل ما زلت‬
                                     ‫هل صحيح أنك تكتب القصيدة‬                ‫عند قولك «هذا العالم يستحق‬
                                          ‫ولا تنقحها‪ ،‬لأنك تؤمن أن‬
                                                                                ‫شتائم طويلة‪ ،‬بدل أن نملأ‬
                                        ‫القصائد لها حياتها الخاصة‬                       ‫جيوبنا بالتوت»؟‬
                                          ‫التي ينفصل عنها الشاعر‬
                                              ‫بمجرد الانتهاء منها؟‬              ‫نعم‪ ،‬أعتبر السومريين مثا ًل‬
                                                                               ‫للإبداع‪ ،‬فهم اخترعوا الكتابة‪.‬‬
                                        ‫ما إن نبدأ بالكتابة أو أي عمل‬
                                          ‫إبداعي آخر‪ ،‬حتى يوثق هذا‬               ‫وحتى في الشعر والموسيقى‬
                                                                            ‫والمعمار والنحت‪ ،‬كانوا متقدمين‪،‬‬
                                        ‫حضوره فو ًرا‪ ،‬زمنيًّا‪ ،‬وبالتالي‬
                                      ‫لا يحق التدخل في السياق‪ ،‬ما إن‬
   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251