Page 248 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 248

‫العـدد ‪28‬‬                           ‫‪246‬‬

                                   ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

‫أنني كنت أكره العمل في الصحافة‬                ‫النشر في تلك الفترة؟‬            ‫الداخلية ومخيلته الحرة‬
   ‫العربية في بريطانيا‪ ،‬إذ لم نكن‬   ‫سبق لي أن زرت الفلبين في العام‬       ‫الجامحة وحسه الساخر الذي‬
   ‫سوى مرتزقة‪ .‬حين وصلت إلى‬
                                       ‫‪ ،1988‬وتمتعت هناك في جزر‬             ‫يكاد ألا يكون عراق ًّيا‪ .‬وقال‬
  ‫لندن في آب‪ /‬أغسطس ‪ 1976‬لم‬         ‫فلبينة‪ ،‬وقرر ُت وأنا هناك أن أقيم‬    ‫أي ًضا‪ :‬يبدو أن صلاح فائق في‬
 ‫أستطع إيجاد عمل مناسب‪ ،‬إذ لم‬                                          ‫كتابه الأخير (رحيل) كأنه يدفع‬
‫أكن أعرف أية مهنة سوى الكتابة‪،‬‬          ‫بشكل دائم في هذا البلد حين‬      ‫تجربته الشعرية حتى النهاية‪.‬‬
                                        ‫أتقاعد‪ ،‬أو إذا حصلت فرصة‬
   ‫وبعد أشهر حصلت على وظيفة‬          ‫لتحقيق هذه الرغبة‪ ،‬والتي كانت‬          ‫كأنه يعتصرها‪ .‬يستنفدها‪.‬‬
    ‫مصحح في إحدى المجلات‪ ،‬ثم‬                                            ‫حتى لا يعود قاد ًرا على الكتابة‬
 ‫كمترجم لفترة‪ ،‬محرر صحافي في‬                         ‫تشبه معجزة‪.‬‬
 ‫الشؤون الثقافية‪ .‬وقضيت حوالى‬           ‫هذه المعجزة تحققت في العام‬        ‫مرة أخرى‪ .‬لا أدري‪ .‬بصرف‬
 ‫عشرين سنة متنق ًل من مجلة إلى‬         ‫‪ 1993‬حين أفلست المجلة التي‬       ‫النظر عن أسباب اختفاء صلاح‬
‫مجلة‪ ،‬لأن شرط منحي الإقامة في‬        ‫أشتغل فيها كمحرر ثقافي‪ ،‬وذلك‬      ‫فائق وإقلاعه عن النشر (وربما‬
‫بريطانيا كان ضرورة قيامي بعمل‬      ‫بسبب حرب الخليج الأولى‪ ،‬حاولت‬         ‫الشعر)‪ ،‬إنه تجربة خاصة في‬
  ‫ما‪ ،‬عنوان ثابت ودفع الضرائب‪.‬‬      ‫إيجاد عمل آخر‪ ،‬لم يساعدني أحد‬      ‫الشعر العربي‪ ،‬لم يتوقف أمامها‬
‫هكذا افترس ْت هذه الأعمال التافهة‬   ‫من أصدقائي الذين كانوا يعملون‬
                                       ‫في صحافة لندن العربية‪ ،‬رغم‬           ‫نقدنا الأدبي المبتلى معظمه‬
        ‫سنوات طويلة من عمري‪.‬‬       ‫أني ساعدت معظمهم آنذاك‪ .‬المهم‪،‬‬              ‫بالشللية والإخوانيات‪.‬‬
    ‫في الفلبين قرر ُت أنني تحررت‬   ‫قررت أنها فرصتي لهجرة جديدة‬
   ‫من ذلك العمل الكابوسي‪ ،‬ولن‬      ‫إلى الفلبين هذه المرة‪ .‬هكذا سافرت‬         ‫حين كتب أمجد ناصر هذا‬
   ‫أعود إليه‪ .‬وهذا ما حصل حتى‬           ‫إلى مانيللا العاصمة‪ ،‬بعد أيام‬    ‫المقال لم يتوقع هو أو غيره في‬
   ‫الآن‪ .‬لم أنشر لعشرين سنة في‬       ‫سافرت إلى جزيرة سيبو وبقيت‬          ‫ذلك الوقت عودة صلاح فائق‬
  ‫أية صحافة أو مجلة ثقافية‪ ،‬ولم‬      ‫فيها لأكثر من عشرين سنة‪ ،‬من‬         ‫إلى الحياة وخروجه من منفاه‬
‫أحضر أي مهرجان‪ ،‬ولم أجب على‬        ‫حسن حظي التقيت بعض الشعراء‬           ‫ليكتب بعدها العديد من الكتب‬
   ‫أسئلة أية مقابلة‪ .‬بقيت كل تلك‬    ‫وأخرين‪ ،‬واستطع ُت ترتيب مكان‬
‫السنوات أكتب ولا أنشر‪ .‬في نهاية‬     ‫لي‪ ،‬وأي ًضا بعد فترة وجدت عم ًل‬                         ‫الشعرية‪.‬‬
  ‫العام ‪ 2011‬دعوني إلى المهرجان‬                                         ‫أو ًل المحبة لذكرى صديقي أمجد‬
‫الشعري في مدينة سيت الفرنسية‪،‬‬                              ‫مناسبًا‪.‬‬      ‫ناصر‪ .‬عشنا سنوات طويلة م ًعا‬
                                     ‫ما شجعني على هذه الهجرة هو‬          ‫في لندن ولي ذكريات رائعة معه‬

                                                                                                 ‫وعنه‬
                                                                           ‫المحبة لأمجد ناصر وكل من‬
                                                                           ‫سبقونا نحو الضوء‪ ..‬دعني‬

                                                                                           ‫أسألك عدة‬
                                                                                            ‫أسئلة من‬
                                                                                          ‫منطلق مقال‬
                                                                                           ‫أمجد وهذه‬
                                                                                             ‫الفترة في‬

                                                                                               ‫حياتك‪:‬‬
                                                                                               ‫أو ًل‪ :‬ما‬
                                                                                              ‫الأسباب‬
                                                                                          ‫التي جعلتك‬
                                                                                           ‫تختفي عن‬
                                                                                               ‫الأنظار‬
                                                                                            ‫وتقلع عن‬
   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253