Page 102 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 102
العـدد 25 100
يناير ٢٠٢1
أمنية حلمي
أسكن في حقيبة
نظري (البروفيسور المهرج). “أيهما الأجمل وأيهما الأنبل ،الحياة أم الفن؟”*
ويستمر أبي في الحكي عن (حقيبة طاهر) التي
أنجبت أجيا ًل من المعاهد الفنية -تمثيل أو مسرح- طاهر زين ،أو البروفيسور المهرج كما يحب أن
والتي أصابها الهوس والشغف أي ًضا كطاهر، يطلق عليه أحباؤه وأصدقاؤه من طلبة الفنون
وضمت في جعبتها أهم مشاهد المسرح العالمي .كان -بشتى أنواعها -واحد من فناني الجيل الأول
يأتي بها دائ ًما للطلبة المنتظرين بلهفة يتهامسون:
للتمثيل ،وخصو ًصا المسرح.
«هل وصل البروفيسور مع حقيبته؟». هو ..مخلوق مسحور ،يتفنن في رسم قوس قزح
وفور وصوله يترك الحقيبة في حنو على المكتب ضاحك على وجوههم ،رغم ما هو مسجون بين
ويخرج ،فتتسارع وتتصارع أيدي الطلبة الباحثة ضلوعه من إحساس مكسور .يرتدي بدلته الفرحانة
عن يقين وإيمان عن مشهد عمرها ،الذي لا بد وأن ويتصنع مثل حالها .يخفي تجاعيد أحلامه تحت
يكون قاب ًعا منتظ ًرا هنا أو هناك داخل الحقيبة ،وعلى زحمة الألوان .ينفجر بضحك من دم ،ولمن لا يعلم..
هوامشه ملاحظات وتوجيهات مكتوبة بخط يد هو لا يضحك عن فرح ،هو فقط يحلم لو يعرف من
البروفيسور ،فيتحول المشهد بجرة قلم إلى مشروع هو ،يحلم لو يحرق ذلك المربع وتلك الرواية الزائفة،
التي طالما ظل حبي ًسا خلف أقنعتها التي لا تشبه
تخرج الطالب.
وحدث أن كنت أنا نفسي واح ًدا من هؤلاء الطلبة، ملامحه في شيء.
أفتش عن ذاتي في حقيبة طاهر ،لكنني لم أجدها، أتذكر أن أبي قرأ على مسامعي ذات مساء -وكنت
ابن تسع سنين فقط -مقا ًل لواحد من عتاولة الفن
فلهثت وراء البروفيسور لينجدني. يتحدث عن البروفيسور ،وكيف أنه كان يحلم أن
“عف ًوا أيها المهرج ،أنا لم أجد نفسي في الحقيبة”.
يصير مثله حين يكبر.
“وما عساها تكون؟!” تساءلت بيني وبين نفسي :مثله؟! مثله في ماذا؟!
“أشبه ببيجماليون”. وسرعان ما أتت الإجابة ،في أن يكون مقي ًما دائ ًما في
“أسطورة الحب الذي صنع الحياة .رائع توفيق
المسرح ،أو بمعنى نفسي أدق ،لاجئًا.
الحكيم ،موجود”. لا يمكن أن تذهب في أية ساعة من اليوم ،في أي
“بل أريد صنيعة چورچ بيرنارد شو ،المشهد الذي
يقول فيه البطل :أولئك الخالدون الذين لم يستطيعوا يوم من الأسبوع ،في أي شهر من السنة ،ولا
تجد الأستاذ طاهر في المسرح .يقرأ ،يترجم ن ًّصا
أن يصنعوا غير الهالك المحدود ،أما أنا الهالك مسرحيًّا ،يسجل ملاحظاته على الوجوه الشابة أو
المحدود فقد استطعت أن أصنع الخلود”. المشاهد الارتجالية التي يتعرض لها ،أو حتى ُيخرج
مسرحية .وكان دائ ًما وأب ًدا لا يستطيع إخفاء أو
“أحسنت .ستجدها في الجيب الثاني الداخلي”. كبت إعجابه بمشهد جيد .بل إنه أحيا ًنا يفرط في
مستحيل أن تفقد الحقيبة أو تتغافل مشه ًدا مه ًّما سعادته ويبدأ بالتصرف كالأطفال الصغار ،ومن
كان صغي ًرا ومغمو ًرا ،ومستحيل أن تغادر صديقها هنا كان المسمى الألطف على الإطلاق من وجهة
البروفيسور المهرج المغمور ،المعروف للجمهور