Page 106 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 106
العـدد 25 104
يناير ٢٠٢1
د.نهلة راحيل
تشابك الفضاءات الصوفية والعجائبية
في «رأس مستعمل للبيع»
بنيتها الفنية على إثارة المتلقي عبر تشخيص المضامين تتعدد وظائف اللغة ،كما حددها ياكبسون وفق بنية
الطبيعية -كمتاعب الأمومة والقمع الذكوري للجسد
الكلام وأغراضة ،ما بين التعبيرية والإفهامية والانتباهية
الأنثوي وآثار السلطة الأبوية واغتراب المرأة عن عالمها والتعريفية والمرجعية والشعرية ،وعلى الرغم من أن
الصغير (الأسرة) والكبير (المجتمع) وغيرها -بطرق فوق
وظيفة اللغة السردية وظيفة تبليغية إخبارية تنقل المتلقي
طبيعية تتجاوز المعقول والمنطق .وبالتالي ،كان انتظام إلى عوالم ُيفترض أنها واقعية ،وتدخله في حكايات
الواقع واللا واقع داخل نسيج الحكي ،وتع ُّمد الكاتبة لأن
لها أحداثها وتفاصيلها التي تخبره عن تجربة محددة
تصبح الأمور غير الطبيعة /العجيبة مجاورة للأمور وتمرر له رسالة معينة ،فإن تلك اللغة قد لا تلبي حاجة
الطبيعية /المألوفة ،من أبرز مظاهر النزوع إلى التجريب
السردي الذي ارتكز على تقديم تفسير عجائبي لأزمات السارد أثناء سرد مضمونه الحكائي ،فيلجأ إلى لغة
شعرية مح ّملة بشحنة رمزية -كالإيحاءات الصوفية
واقعية معاشة ،وهو ما أخرج نصوص المجموعة من والتلميحات العجائبية -تجعل المتلقي مترد ًدا بين بنيات
الإطار الكلاسيكي الثابت في الحكي إلى فضاء التجديد النص المختلفة ،وتدفعه إلى الكشف عن دلالة تلك البنيات
-المعرفية والفنية -كي يتمكن من الإلمام بآفاق التجربة
بتشكلاته السردية المتنوعة.
والإحاطة بها كاملة.
التقاطع بين الصوفي والعجائبي وهنا حاولت القاصة المصرية «شيرين فتحي» أن تشيد
عوالم قصصها «رأس مستعمل للبيع» ( )2019عبر لغة
ث ّمة علاقة وثيقة معروفة بين التراث الصوفي والمكون تبدو بسيطة واضحة ،لكنها -في الحقيقة -تستثمر طاقات
العجائبي ،تتجسد بوضوح في قصص الأولياء وكرامتهم، تعبيرية ودلالية متعددة الروافد لإغناء النص السردي،
وكذلك في نصوص الرحلات -ببعديها الواقعي والمتخيل-
ونقل موضوعاته بصورة ُتغري القارئ لمحاولة فهم
التي يقصد منها في الغالب الكشف عن الحقائق وتطهير الرسالة وفك رموزها وتفسيرها ،وهو ما جعل قصص
النفس .وقد استغلت الأدبيات الحديثة تلك العلاقة
المجموعة تحتشد بتفاعلات نصية عديدة يتداخل فيها
التلازمية وعبّرت من خلال توظيفها نصيًّا عن عوالم الواقعي مع العجائبي ،والأسطوري مع الصوفي ،وغيرها
تموج بالغربة الإنسانية والانكسارات الواقعية ،فكان من أنماط أسلوبية و َّظفتها الكاتبة لتمنح نصوصها بنية
هروب الشخصيات من مادية الحياة وظلمتها إلى ما متحركة مفتوحة على احتمالا ٍت عديدة وتأويلات مختلفة.
ورائية الوجود ونورانيته من أبرز ملامح إثراء المحكي
فالمجموعة القصصية ،التي تتعدد نصوصها ما بين
بالمكون الصوفي المتعالق بالملمح العجائبي. القصص القصيرة والقصص القصيرة ج ًّدا ،تعتمد في
وهنا يمكن القول إن بحث شخصيات «رأس مستعمل