Page 108 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 108

‫العـدد ‪25‬‬    ‫‪106‬‬

                                                           ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

                                         ‫ص‪)47‬‬              ‫التي تتحرر فيها البطلة جسد ًّيا عبر الاستغناء التدريجي‬
       ‫أما ظاهرة تقلص الجسد التي تعاني منها الأم في‬         ‫عن تكوينها البشري والتحول إلى شجرة تمتد جذورها‬
   ‫«لعنة الأكياس»‪ ،‬بعد تفانيها في خدمة زوجها وأبنائها‬        ‫في الأرض وتتفرع‪ ،‬في حرية تامة‪ ،‬تجاه السماء؛ حيث‬
‫وتحملها ثقل هذه الرعاية اليومية بوصفها دو ًرا اجتماعيًّا‬     ‫تصبح مرحلة التحول ثم التوافق مع الصورة الجديدة‬
   ‫محصو ًرا على المرأة‪ ،‬فهي وسيلة غير اعتيادية لتخلص‬      ‫هي الخلاص الوحيد المتاح من الموقف المتأزم الذي تعيشه‬
 ‫الشخصية من مشقة البدن وبلوغ الروح مرحلة مغايرة‬              ‫الشخصية‪« :‬الجيد في الموضوع أن بعض أفرعي كانت‬
     ‫تصبح فيها مجردة عن المادة وقوانينها؛ فلا تحتاج‪،‬‬         ‫قد امتدت أخي ًرا إلى خارج الغرفة‪ ،‬بعدما كسرت زجا َج‬
 ‫بالتالي‪ ،‬إلى مساحة مكانية تكبل تصرفاتها أو حيز مادي‬
‫جسدي يفرض عليها سلوكيات معينة وخصائص محددة‪:‬‬                          ‫النافذة المغ َلق منذ زمن»‪( .‬المجموعة‪ ،‬ص‪)34‬‬
  ‫«تمادت الأم في الصغر حتى غدت غير ملحوظة‪ ،‬لدرجة‬
   ‫أن الأبناء صار الواحد منهم يتندر للبقية إذا ما لمحها‪،‬‬           ‫ثنائية الروح والجسد‬
     ‫ويظ ُّل يقسم لإخوته ويص ُف لهم كيف صار شكلُها‬
 ‫وحجمها‪ ،‬حتى أن أصغر الأبناء قد اشترى عدس ًة مكبرة‬        ‫في هذا السياق‪ ،‬أدى تصارع الروح والجسد دو ًرا ملحو ًظا‬
     ‫ومضى يبحث عنها في شقوق الجدران وعلى أحرف‬                   ‫في تشكيل البنية الحكائية داخل قصص المجموعة‪،‬‬
      ‫الشبابيك والسجاجيد على أمل أن يراها‪ ،‬ولكن بلا‬
                                                          ‫وبالأخص في ظل عدم حسم الصراع لصالح أحد الطرفين‬
                       ‫جدوى»‪( .‬المجموعة‪ ،‬ص‪)52‬‬             ‫وبقاء الصدام بينهما داخل شخصيات تجد تكامل الوجود‬
       ‫كما نتلمس آثار السلطة الذكورية على جسد المرأة‬
  ‫بوضوح في قصة «مسامير» ‪-‬وهي نص قصير ج ًّدا لا‬               ‫الروحي والمادي أم ًرا يتطلب المجاهدة الشاقة لتحقيقه؛‬
                                                          ‫فالجسد يتحرك ضمن دائرة من القوانين الوضعية المادية‬

                                                             ‫التي تحكمه‪ ،‬بينما تسعى الروح إلى التحرر من سلطة‬
                                                             ‫هذا الجسد سواء عبر ترويضه ‪-‬وهو المسلك الطبيعي‬
                                                             ‫المألوف‪ -‬أو عبر الانسحاب منه والوصول إلى التوازن‬

                                                               ‫بطرق خارقة غير طبيعية تدهش القارئ بأفعال غير‬
                                                              ‫منتظرة وبأحداث غير مفسرة‪ ،‬وهو ما يحقق التأثير‬
                                                              ‫العجائبي‪ ،‬كما ظهر في معظم قصص «رأس مستعمل‬

                                                                                                   ‫للبيع»‪.‬‬
                                                               ‫فالأم في «مدينة الملاهي» ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬تشعر‬
                                                           ‫باختلافها عن الآخرين منذ صغرها وهو ما جعلها تبحث‬
                                                          ‫طوال حياتها عن معجزتها الخاصة التي لا تقل في نظرها‬
                                                             ‫عن معجزة فاطمة ابنة محمد (ص) أو معجزة السيدة‬
                                                             ‫مريم عليها السلام‪ ،‬لتهتدي إليها في النهاية عن طريق‬
                                                           ‫انفصالها عن جسدها الأنثوي ‪-‬بكل ثقل أعبائه الزوجية‬
                                                               ‫والأمومية والمهنية‪ -‬وتحولها إلى لعبة دوارة بمدينة‬
                                                               ‫الملاهي لترتفع بحرية استثنائية فوق رؤوس الناس‬
                                                          ‫وتسمو روحها متجردة عن مادية هذا الجسد الذي أسهم‬
                                                            ‫المجتمع في تنميطه سواء في وعيها أو في ذهن المحيطين‪:‬‬
                                                                ‫«لف المدير التنورة حول خصرها‪ ،‬ثم ثبّتها ببضعة‬
                                                             ‫مسامير حديدية‪ ،‬ثبت لها ذراعيها بقطعتين من الحديد‬
                                                             ‫المطلي‪ ،‬حملها على كتفه ووضعها في مكان رآه مناسبًا‪،‬‬
                                                                ‫شعر ْت بالسعادة حين ابتدأت تنورتها الجديد ُة في‬
                                                             ‫الدوران والاتساع‪ ،‬وارتفعت‪ ،‬وارتفعت‪( .»..‬المجموعة‪،‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113