Page 111 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 111
نون النسوة 1 0 9 جما ًل وأكثر أهمية من الناحية الفنية هو أن هذه
الحالات العديدة تبدت في السرد القصصي وفق
والمختلف من قصة إلى أخرى ،فالمعنى الواحد نمط تمثيلي ،أحيا ًنا ما يكون غرائبيًّا ،فهذه الحالات
قد يحضر لديها عبر أكثر من صورة وأكثر من
تجسدت في أشكال فنية غير تقليدية ولا تغلب
تمثل فيتجسد في أحداث جديدة ومغايرة من عليها النظرة التقليدية من السرد لأحداث واقعية
قصة إلى أخرى .وإذا كان الاستلاب يحدث في جافة ،بل إن المخيلة الثرية والمنفتحة على احتمالات
إحدى القصص بأن يتحول الجسد إلى مجرد قطع غريبة ،وإقحام عالم طريف وجديد ،جعلت هذه
غيار تباع وتشترى أو حتى يتم الاستغناء عنها،
فإنه يقع ويتجسد في قصص أخرى عبر تمثلات المظاهر الحياتية والأسئلة والمشاعر والقضايا
مختلفة ،فيكون بتضاؤل الأم وصغرها تدريجيًّا تتبدى في تفاصيل وتمثيلات من الفنتازيا والغرابة
حتى تصبح أقل من نملة في قصة أخرى ،وهي والخروج على المنطق الطبيعي ،كأن تجعل من عالم
دالة على الانسحاق والتضاؤل وفناء ذاتها أو الكلاب التي تخيفها في الشوارع معاد ًل أو مقاب ًل
انكماشها نفسيًّا ومعنو ًّيا بالأساس أمام رغبات
أبنائها وزوجها ،ولهذا فإنها لا تبقى عاجزة على لعالم الرجال المتحرشين ،وتجعل حيلة الهروب
هي إلقاء بعض الشيء من اللحوم المصنعة لهذه
الدوام ،وتصبح لها حيلها الدفاعية أو قوتها
الخارقة الخفية ،على نحو ما نرى في قصة زينب الكلاب حتى تهدأ وتهرب منها ،ثم تجعل من
التي تصبح فيها المرأة أو النموذج الأنثوي مال ًكا جريمة قطع أصابع المتحرش وإلقائها في النهاية
لقدرة عجائبية ،بأن يكون لها نهد ساحر يضيء بعد موته حيلة سردية من الفنتازيا تعادل الواقع،
في الظلام ،يملك القدرة على الانتقام من الحماة أو تجعله ذا طبيعة رمزية ويتشكل وفق نمط
المتسلطة الراغبة في الفصل بين الزوج وزوجها مغاير ،وهو ما يمثل بالنسبة للمتلقي عنص ًرا مه ًّما
والراغبة في فرض هيمنتها. من عناصر التشويق ،لأن الجريمة مشوقة برغم
يمثل ويجسد سرد هذه المجموعة ذهنية المرأة غرابتها أو عدم منطقيتها لكونها تتلاحم دلاليًّا
مع فكرة النهش ،أو تتراكب بشكل طبيعي مع
أو النموذج المسرود عنه على نحو مشحون
بالتفاصيل ،التي تتحول إلى نموذج شعري عبر فكرة الخوف والتهديد من الكلاب ،ولكن ما يزيد
إحساس خاص بهذه التفاصيل ،حتى ما يرتبط القصة جما ًل أن إلقاء اللحوم للكلاب الحقيقية كان
منها بالتفاصيل اليومية الهينة أو المعتادة من لترضيتها والهروب من نهشها ،أما نهش البشر
شراء الملابس أو التسوق أو استماع الموسيقا -وهو النهش الناعم المتسلل الخفي الذى لا تملك
أو إعداد الطعام أو التزين للرجل بشكل آلي ،أو
تفاصيل ترتبط بالمهنة أو الوظيفة ،أو تفاصيل أمامه حيلة -فهو الأصعب ،ولهذا فإن الانتقام
جاء معه على نحو غريب ،فصنعت المفارقة حين
ذاكرة الطفولة وألعابها ورمزية بعض هذه منحت الكلاب مكافأة لكونها -برغم قدم وخطورة
التفاصيل أو الألعاب ،وهو ما يجعلنا دائ ًما أمام تهديداتها -صارت قابلة للتفاوض أو للتحايل،
نموذج إنساني حافل بالنبض والحيوية ولديه فمنحتها لحم المتحرش وأصابعه فهي أولى بها.
القدرة على اجتذاب المتلقي والالتحام به شعور ًّيا والحقيقة أن لغة السرد القصصي تكون في كثير
من الأحيان على قدر كبير من الشعرية وارتفاع
أو اقتحام مشاعره ووجدانه .وهو في المجمل الوتيرة والإيقاع والنبرة الانفعالية ،تب ًعا للحال
ما يؤشر ناحية كون هذا السرد يصنع نماذج النفسية التي يقاربها هذا السرد ،على نحو ما نرى
إنسانية لها ثقلها أو كثافتها ،لكونها يتم رسمها في لغة السرد في قصة رأس مستعمل للبيع ،حين
وتشكيلها من الداخل بالأساس ،فالتكوين الذهني تتكرر مفردات مثل الرعب أو الانتهاك والخوف
والنفسي للشخصية هو الأبرز والأهم ،وصاحب والإرغام في حق الزوجة المقهورة والمضطرة إلى
المساحة الأكبر دون التفاصيل الأخرى من صفات
وأبعاد جسمانية أو شكلانية ،قد لا تكون مهمة أو التنازل ،وتبدو المعاني والقيم الإنسانية التي
تقاربها القصص في حال من التشكل المتجدد
ذات أثر كبير في المسار السردي.