Page 115 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 115

‫نون النسوة ‪1 1 3‬‬

                                       ‫فيه ذراعها وتتأبطه أثناء المشي‪.‬‬
                    ‫سيكون مر ًنا‪ ..‬ينثني معها ويتغير حجمه طو ًل وعر ًضا‬
                     ‫على حسب حاجتها وعلى حسب مساحة الشوارع التي‬

                                                         ‫تمر منها‪.‬‬
                   ‫ستصنع بعض الثقوب كي تمرر لها بعض مشاهد العالم‬

                                          ‫من خلال تدقيق النظر فيها‪.‬‬
                  ‫ستسمح لها برؤية العالم دون أن تكون مجبرة على تحمل‬
                  ‫عيون الآخرين وتدقيقهم في شكلها وملامحها‪ .‬ستراقبهم‬

                                             ‫كإله من دون أن يرونها‪.‬‬
                  ‫ستوسع تلك الثقوب في حال احتاجت أن تظهر جز ًءا منها‬
                  ‫لأحد‪ ..‬لن تلجأ لتلك الحيلة كثي ًرا‪ ..‬وستسد الكثير من تلك‬

                                              ‫الثقوب في أغلب الوقت‪.‬‬
                    ‫لن تزيح الجدار إلا بعد أن يخمد العالم بضجيجه تما ًما‪.‬‬
                    ‫هذا العالم مخيف لا يجوز أن تلعب فيه الغميضة إلا في‬
                  ‫حالتين فقط‪ .‬إما أن يختبيء الجميع منك ويتركونك وحي ًدا‬
                    ‫مع حائطك الآمن وإما أن تختبيء أنت منهم ثم لا تعود‬

                                                             ‫أب ًدا‪.‬‬
                     ‫عادت لممارسة عادتها‪ ..‬التهمت الأسبوع الفائت‪ ،‬لكنها‬
                   ‫لم تشبع‪ ،‬فقضت على الشهر بأكمله‪ ..‬ولم تشعر بنفسها‬
                     ‫إلا وهي تلتهم نتيجة الحائط بأكملها‪ ..‬لم تكتف بمص‬
                   ‫عصارة الورق كما كانت تفعل‪ ،‬لم تبصق الفتات‪ ،‬أجبرت‬
                   ‫نفسها على ابتلاعه كام ًل‪ ..‬شعرت بالأيام والشهور وهي‬
                    ‫تتسرب إلى جسدها‪ ..‬اختلط الزمن بالريق قبل أن ينزل‬
                    ‫إلى المعدة ليحمله الدم في أوردته ويتدفق معه إلى جميع‬

                                                      ‫أنحاء الجسم‪.‬‬
                      ‫لم تكتف بتلك السنة التي ابتلعتها‪ ،‬بل شعرت بجو ٍع‬

                        ‫غريب‪ ،‬فتحت خزانتها الممتلئة عن آخرها بالأعوام‬
                     ‫المحبوسة في نتائج لم ُتمس من قبل‪ ..‬كانت تحتفظ بها‬
                   ‫لنوبة جوع مفاجئة كتلك‪ .‬التهمت عشرات السنوات دون‬

                                     ‫أن تشعر بالشبع من طعم الورق‪.‬‬
                     ‫شعرت بالزمن وهو ينخر عظامها ويرققها‪ .‬لم تكن في‬

                       ‫حاجة للنظر إلى المرآة لتلحظ تلك الكميات الهائلة من‬
                  ‫الشعر الأبيض الذي غزا مقدمة رأسها في دقائق‪ ،‬ولا لتلك‬
                  ‫الخطوط السميكة التي قبعت تحت عينيها ورسمت أقوا ًسا‬

                                             ‫واضح ًة عند زوايا الفم‪.‬‬
                      ‫تحسست كل التغييرات التي طرأت عليها‪ ،‬ولم تشعر‬
                  ‫بنفسها إلا وهي تحشر المزيد من الورق والسنوات‪ ..‬ظلت‬
                     ‫تمضغ وتبتلع حتى ابتلعت سنواتها المتبقية كلها دفع ًة‬

                                                            ‫واحدة‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120