Page 107 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 107
نون النسوة 1 0 5 للبيع» عن «الحقيقة» ودخولها في صراعات عديدة مع
ذاتها ومع المحيطين في مسار هذا البحث ،هو من أهم
تغلب الأم على متاعبها الأسرية اليومية في «رأس مستعمل تجليات التجربة الصوفية التي تقوم على الشك كبداية لكل
للبيع» يتجلى في عشقها للموسيقا وحاجتها للرقص ،حتى معرفة حقيقية .وفي رحلة البحث -من الشك إلى اليقين-
لا يكون الوصول دائ ًما في النهاية بالكشف والمشاهدة
أن رأسها أصبح منشغ ًل دائ ًما بالإيقاعات الموسيقية التي تعتمد على الحواس ،إنما قد يكون بالانخراط في عالم
والرغبة الملحة في الدوران على أنغامها ،فتحدث حالة روحاني عجائبي غير مقيد باشتراطات الواقع المادي.
الدهشة لدى المتلقي عندما تكسر الساردة المألوف وتقيم لذلك كانت وسيلة الساردة -في معظم القصص -للهروب
علاقة غير متوقعة بين الرأس النسائي المحب للموسيقا من انهزامية الواقع وانكسارته ،هي اللجوء إلى العجيب
وبيع الزوج لهذا الرأس لمبررات واهية؛ كحماية صغاره الذي تستطيع الشخصية من خلاله حل أزمتها وإنهاء
أو خوفه من الفضيحة أو شعوره بالإثارة بصورة أكبر
رحلة البحث كيفما تشاء دون أن يحصرها الواقع
لرؤية جسدها بلا رأس: بقوانينه الطبيعية وقيوده العقلية ،فنجد بطلة «وقطعت
«المرات الأفضل كانت تلك التي تباغتها فيها تلك الأصوات أياديهن» بعد رحلة بحث لا تتوقف عن الرجل المناسب،
تقدم ح ًّل افتراضيًّا عجائبيًّا -له مرجعية واقعية مادية-
وهي خارج المنزل فكانت تتجه إلى الشوارع البعيدة عنه ينهي مشكلتها ،وهو جمع أنسب الأجزاء من كل رجال
وعن الجيران وتترك رو َحها وجس َدها للحركة .في كل
مرة كانت تنضم لها امرأة أو اثنتين على الأقل ،كانت البلدة لخلق رجلها بالمواصفات التي تبحث عنها:
تلقي الأكياس وتخلع حذا َءها برفع ساقيها إلى الأعلى «فتبرع أحدهم بعينيه وآخر بأنفه وآخر بأسنانه وآخر
بحركة شبه استعراضية وتبدأ رقص َتها»( .المجموعة، بصوته ،وهكذا حتى اكتملت ملامحك تقريبًا على يديها،
ص)31
وهنا أصبح الفرار من الأرض ،رغم دلالتها على حملت الملام َح إلى بيتها انتظا ًرا لحصولها على الروح
وجود الحياة وحتمية الموت لدى المتصوفة ،وتجاوز المناسبة .لكن النسوة غافلنها في مرة وسرق َن كل تلك
عالمها الدنيوي إلى أفق أكثر رحابة ،من الحلول البديلة الملامح الذكورية ودفنها س ًّرا خو ًفا من فقد رجالهن ،ومن
التي اقترحتها الساردة في العديد من القصص لتعيد يومها وهي لا تخر ُج إلا بسكين حا ٍّد بحثًا عن أياديهن
للشخصية روحها بعد أن تطهرها من أعباء المادة.
الطويلة»( .المجموعة :ص)29
فتختار الساردة في قصة «طريق» أن ُتض ّمن ذاتها داخل كذلك فإن إنقاذ النفس من شهوات الجسد
الأنا الجمعية ،وكأنها تتهرب من عائدية الضمير عليها
وتحررها من قيوده عبر الاستماع إلى
بمفردها ،وتضاعف صيغته الموسيقا والقيام بحركات دورانية
لتضم (الأنا) و(اللا أنا) في يكون فيها الراقص في حالة تأمل
نمط خاص تنسحب دلالته للخلق والخالق ،من أبرز أنواع
مجاهدة النفس
على الجميع: والاتصال بالكون
«كان الطريق يسحبنا معه في الطرق الصوفية؛
فحركة الجسد
فنمضي ،حتى بدأنا في -والروح بالتأكيد-
الانفصال جزئيًّا عن حدود المتناغمة مع إيقاع
الأرض .بدت لنا على مدى الموسيقا هي تعبير
بعي ٍد من الرؤية عد ُة أبواب، صوفي عن الفناء في
الله والاستغراق في
لما اقتربنا منها وجدناها الحقيقة.
كلَّها موصدة ،لكنا سمعنا كما نجد محاولة
صو ًتا ينادينا بأن نضع
الأحما َل التي فوق ظهرينا شيرين فتحي
وننتظر»( .المجموعة،
ص)35
وكذلك في قصة «احتكاك»