Page 178 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 178

‫العـدد ‪25‬‬                              ‫‪176‬‬

                                 ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬                          ‫كان الواقع الفرنسي هو‬
                                                                  ‫المركز أي ًضا في حالة ما بعد‬
‫وعنصريتها‪ ،‬ربما في تظاهرة‬       ‫السامية الجديدة» أو «معاداة‬
  ‫ما تجوب أوروبا أو فرنسا‬            ‫الصهيونية» التي تعتبر‬          ‫الثورات العربية في القرن‬
  ‫لتعلن الرفض لبعض الميول‬                                         ‫الجديد‪ ،‬وتجاهل العنصرية‬
   ‫الصهيونية ليهود أوروبا‪،‬‬        ‫هي الظهير الثقافي لماكرون‪،‬‬
    ‫هنا تعلن أوروبا‪ /‬فرنسا‬          ‫وربطها الصريح بالعرب‬                        ‫الصهيونية‪.‬‬
  ‫في المقابل أن العرب برابرة‬         ‫والمسلمين‪ ،‬هو استدعاء‬           ‫وكان من المشترك أي ًضا‬
       ‫معادين جدد للسامية!‬           ‫الذاكرة الدينية للمسألة‬     ‫إهمال الآخر العربي وسياقه‬
                                                                 ‫قدي ًما؛ حيث لم يضع سارتر‬
‫بالاستناد لسرديتها الخاصة‬         ‫مع التأكيد أي ًضا على الذات‬      ‫عرب فلسطين في حسبانه‬
     ‫تجاهل أثرها على الآخر‪،‬‬      ‫المركزية الأوروبية وسياقها‬       ‫وسلبهم الحق الوجودي في‬
         ‫وكأنه غير موجود‪.‬‬                                           ‫الحياة في معاداة السامية‬
                                     ‫الخاص‪ ،‬حين طلب بيان‬
‫الثقافة الأوروبية تثبت مجد ًدا‬       ‫المثقفين من المسلمين أن‬           ‫القديمة ودعم توطين‬
  ‫وهم ادعاءات احترام الآخر‬          ‫يقوموا بما يشبه التنصل‬          ‫يهود أوروبا في فلسطين‬
  ‫وقبوله‪ ،‬ودعائية ما تطرحه‬          ‫من بعض الآيات القرآنية‬       ‫واحتلالهم لها‪ ،‬وكذلك حديثًا‬
      ‫الأكاديميات الغربية في‬       ‫التي يرون أنها تحض على‬        ‫لم يضع مثقفو فرنسا الجدد‬
  ‫كلاسيكياتها ومستجداتها‪،‬‬       ‫«معاداة السامية»‪ ،‬قيا ًسا على‬     ‫وماكرون عرب فرنسا وما‬
  ‫وتثبت أنه لن تخرج نظرية‬       ‫ما فعلته السلطة الدينية قدي ًما‬     ‫يتعرضون له من تهميش‬
                                  ‫في الحالة الأوروبية لمعاداة‬      ‫وصورة نمطية مسبقة في‬
‫ذات وزن معتبر به في الواقع‬      ‫السامية حين أوقف الفاتيكان‬           ‫الحسبان‪ ،‬وأثر الصورة‬
    ‫من أوروبا لتعترف بحق‬        ‫بعض الممارسات أو الصلوات‬          ‫النمطية لـ»الإسلاموفوبيا»‬
   ‫حضارة أخرى في الحياة‪،‬‬           ‫أو الأدعية أو الفقرات التي‬     ‫عليهم وما قد يحيكه اللوبي‬
       ‫وفق سياقها وهويتها‬        ‫تحض على العنف ضد يهود‬
            ‫ومنظومة قيمها‪.‬‬                                            ‫الصهيوني ضدهم من‬
                                                    ‫أوروبا‪.‬‬       ‫فخاخ‪ ،‬ليصبح بيت القصيد‬
 ‫حيلة إبراز ورعاية‬                ‫وهنا يظهر الإملاء واعتبار‬        ‫في الحالتين مركزية الذات‬
   ‫«التمثل السلبي»‬                ‫الذات الفرنسية‪ /‬الأوروبية‬
   ‫للذوات الأخرى‬                  ‫لنفسها مرك ًزا للكون‪ ،‬وعلى‬           ‫الفرنسية (الأوروبية)‬
  ‫تأكي ًدا على مركزية‬               ‫الجميع‪ /‬الآخر أن يراعي‬          ‫وسياقها وتهميش الآخر‬
 ‫السردية الأوروبية‬
  ‫وتصورها الذاتي‬                    ‫ما تشعر به وما يعتريها‬                ‫(العربي) وسياقه‪.‬‬
                                   ‫من تصورات‪ ،‬بغض النظر‬
       ‫تجدر الإشارة إلى أن‬         ‫عن السياق التاريخي لذلك‬          ‫الاختلاف بين‬
  ‫السردية الأوروبية تمارس‬                                         ‫الحالتين‪ :‬استدعاء‬
                                     ‫الآخر وما قد تكون تلك‬
        ‫لعبة نظرية وفلسفية‬        ‫الذات الأوروبية المتعالية قد‬          ‫الديني‬
    ‫متكررة باستمرار‪ ،‬تقوم‬                                        ‫أثر الهيمنة الأمريكية‬
  ‫على اختيار بعض التمثلات‬           ‫مارسته من ظلم وعدوان‬
     ‫الفكرية أو الشعبية عند‬               ‫واستغلال تجاهه‪.‬‬          ‫وصعود ترامب‬
‫الآخر‪ ،‬واعتبارها مبر ًرا يؤكد‬                                         ‫وماكرون‬
  ‫سرديتها المركزية‪ ،‬مسقطة‬           ‫فما ذنب العرب كي تحل‬
      ‫من اعتبارها وجود كل‬                ‫أوروبا مشكلتها مع‬           ‫لكن الذي أضافه مثقفو‬
‫التمثلات الأخرى لتلك الذوات‬                                           ‫فرنسا الجدد في الحالة‬
                                      ‫معاداة السامية القديمة‬     ‫الراهنة والتأسيس لـ»معادة‬
                                   ‫على حسابهم‪ ،‬وحين يعلن‬
                                 ‫العرب المقاومة ودفاعهم عن‬
                                   ‫حقهم الوجودي في الحياة‬

                                      ‫ضد هيمنة الصهيونية‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183