Page 173 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 173

‫الملف الثقـافي ‪1 7 1‬‬

‫جان بول سارتر‬  ‫محمود درويش‬      ‫فرانسيس فوكوياما‬                ‫ونذكر هنا أنه «يفكك [إدوارد]‬
                                                                    ‫سعيد المقولة التي روجت‬
       ‫فرنسا‪..‬‬                  ‫أن تمر مثل أي سردية كبرى‬            ‫لها المركزية الأوربية‪ ،‬بل‬
   ‫مركز السردية‬                  ‫سادت الظاهرة البشرية من‬
 ‫الأوروبية فيما بعد‬              ‫قبل‪ ،‬ما قد واكبها من تطور‬        ‫أبعد من ذلك‪ ،‬قامت برفعها‬
                                                                        ‫إلى مصاف المسلمات‬
       ‫الحداثة‬                       ‫وسائل الإعلام والمعرفة‬
                                      ‫والثقافة المتعددة‪ ،‬كآلية‬      ‫الأولية‪ ..‬والتي مفادها أن‬
    ‫بالعودة إلى فرنسا يمكن‬      ‫لتشكيل العقول والرأي العام‪،‬‬        ‫الثقافة الأوربية هي محور‬
 ‫القول إن موقفها الحاكم من‬      ‫و»النخبوي» أي ًضا وتوجيهما‪.‬‬
 ‫اليهود يكمن في فترة ما بعد‬          ‫وصنع ما يمكن تسميته‬                ‫التاريخ البشري كله‪،‬‬
‫الحداثة؛ تحدي ًدا كرد فعل على‬       ‫بـ»القيم العالمية الرائجة»‬       ‫وأنه لكي تنجز الشعوب‬
  ‫الاستهداف النازي المباشر‬        ‫التي اعتمدت على متلازمات‬         ‫غير الأوربية نهضتها فلا‬
‫لهم‪ ،‬والذي حدث على أرضها‬           ‫«المسألة الأوروبية»‪ ،‬حيث‬           ‫مناص من اعتناق المثل‬
‫حينما خضعت للغزو الألماني‬         ‫لم يكن ذلك ممكنًا بالطريقة‬       ‫ذاتها ومنظومة القيم ذاتها‬
                                  ‫الواسعة نفسها مع الأنماط‬         ‫التي أدت لتقدم الحضارة‬
    ‫أثناء الحرب‪ ،‬ومن خلال‬            ‫الثقافية التي سادت قبل‬
   ‫حكومة «فيشي» المتعاونة‬        ‫ذلك‪ ،‬مع الحضارات القديمة‬                        ‫الغربية»‪)1(.‬‬
   ‫مع الغزو‪ ،‬حيث سيتحول‬            ‫المصرية أو العراقية أو في‬       ‫أي أن الفهم العقلي لتطور‬
‫ذلك لمتلازمة أو سيندروم أو‬           ‫شبه الجزيرة العربية أو‬        ‫السياق الخاص بالسردية‬
  ‫عقدة نفسية تطاردها‪َ ،‬عبَّ َر‬   ‫الصين‪ ،‬أو حتى مع الموجات‬
   ‫جان بول سارتر عن هذه‬         ‫الحضارية التي سبقت الموجة‬             ‫الأوروبية تجاه اليهود‬
 ‫العقدة في كتابه‪« :‬تأملات في‬    ‫الأوروبية الحالية مع اليونان‬        ‫في هذه الحالة‪ ،‬تحول إلى‬
   ‫المسألة اليهودية»(‪ ،)2‬التي‬
  ‫ستقدم أهم أفكار السردية‬                       ‫أو الرومان‪.‬‬           ‫فهم «مقدس»‪ ،‬وتجاوز‬
  ‫الأوروبية المركزية الحالية‬                                       ‫كونه مجرد «فهم» يحتمل‬
                                                                 ‫وجود «فهم» آخر‪ ،‬إلى كونه‬
                                                                ‫الـ»فهم» معر ًفا بالأف واللام‬
                                                                  ‫نافيًا وجود سواه‪ ،‬ومعتب ًرا‬
                                                                    ‫ذاته المطلق العقلي الكامن‬
                                                                   ‫في أبينة الثقافة الأوروبية‬
                                                                 ‫وطبقاتها الغائرة والظاهرة‪.‬‬

                                                                       ‫وهذه هي أبرز سمات‬
                                                                     ‫المركزية الأوروبية‪ ،‬التي‬
                                                                    ‫حولت الأسس «المفصلية‬
                                                                  ‫الثقافية» لها لمركز دوجما‪/‬‬
                                                                  ‫مقدس لكل العالم‪ ،‬وانتقلت‬
                                                                 ‫من مجرد كونها تمثل سيا ًقا‬
                                                                 ‫خا ًّصا وظرفيًّا‪ ،‬إلى اعتبارها‬
                                                                   ‫سيا ًقا نهائيًّا مقد ًسا باسم‬
                                                                 ‫«العقل»‪ ،‬على الجميع‪ /‬الآخر‬
                                                                    ‫الخضوع له وإلا صاروا‬
                                                                    ‫غير عقلانيين! وساعد في‬
                                                                     ‫تحول سرديات «المسألة‬
                                                                  ‫الأوروبية» التي كان يمكن‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178