Page 176 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 176

‫العـدد ‪25‬‬                              ‫‪174‬‬

                                  ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬                         ‫الرئيس الأمريكي المنتهية‬
                                                                    ‫ولايته دونالد ترامب‪ ،‬لكن‬
 ‫ورائه «المركزية الأوروبية»‪،‬‬            ‫دعمت أوروبا والغرب‬         ‫المشكلة تقبع فيما هو أعمق‬
  ‫هو محاولة إكراه المسلمين‬           ‫صعود التيارات المتشددة‬        ‫من ذلك بكثير ولها جذرها‬
  ‫على قبول سرديات السياق‬           ‫أو التكفيرية‪ ،‬لتجد «تمث ًل»‬      ‫الفلسفي وتمثلاته القائمة‬
  ‫الخاص بالحالة الأوروبية‪،‬‬       ‫مشو ًها للذت العربية تبرر به‬    ‫على تحويل الذاتي إلى مقدس‬
                                 ‫سرديتها الكبرى ومركزياتها‬        ‫وعام ومركزي‪ ،‬وتجاهل كل‬
     ‫فيما يتعلق بالصهيونية‬                                       ‫ما هو آخر أو ما هو «خارج»‬
‫وفيما يتعلق بذواتهم أنفسهم‬                ‫الثقافية عن التعالي‪،‬‬
 ‫و»مستودع الهوية» الخاص‬          ‫وضرورة السيطرة على الآخر‬            ‫(كما يقول ماكرون) عن‬
                                                                   ‫«المسألة الأوروبية» ب ُعقدها‬
                      ‫بهم!‬          ‫العربي؟! لماذا يصر الغرب‬     ‫ومتلازماتها الثقافية‪ ،‬المشكلة‬
                                   ‫وأبنية الثقافة التابعة له في‬   ‫عميقة وجذرية في «المركزية‬
‫الإبراهيمية ومعاداة‬                  ‫العالم العربي‪ ،‬على اعتبار‬
 ‫الصهيونية الجديدة‬                 ‫أن التمثلات التكفيرية لدى‬            ‫الأوربية» التي حملت‬
                                 ‫المسلمين والعرب‪ ،‬هي الحجة‬          ‫مشروعها الخاص للتعالي‪.‬‬
  ‫قد لا نأخذ الأمر بعي ًدا‪ ،‬إذا‬
   ‫وضعنا راب ًطا بين صعود‬            ‫التي تقول بفقدان العرب‬             ‫ربما تريد فرنسا من‬
    ‫خطاب التشدد ومركزية‬               ‫للأهلية الكلية وضرورة‬           ‫المسلمين أن يتخلوا عن‬
 ‫الهوية الفرنسية وسردياتها‬           ‫«انسلاخهم عن ذواتهم»‬            ‫ثقافتهم الخاصة‪ ،‬ويقبلوا‬
 ‫تجاه مواطنيها من المسلمين‬         ‫وإلحاقهم بالآخر الأوروبي‬       ‫الثقافة الأوروبية في كلياتها‬
                                  ‫بأوهامه عن تقديس سرديته‬              ‫ومطلقها‪ ،‬لكن يثار هنا‬
      ‫والعرب‪ ،‬وبين صعود‬            ‫الخاصة‪ ،‬ونقلها من الذاتي‬       ‫السؤال‪ :‬أين شعارات التعدد‬
 ‫مشروع ترامب عن «صفقة‬                                            ‫والتنوع الثقافي‪ ،‬التي صدعوا‬
                                         ‫والظرفي الخاص بهم‬           ‫بها رؤوس العرب! حتى‬
    ‫القرن» وتصفية القضية‬          ‫بوصفهم آخر غير أوروبي‪،‬‬              ‫ينفذوا مخططهم لتفجير‬
   ‫الفلسطينية قبل أن يرحل‬        ‫إلى المركزي والعام والمطلق في‬    ‫«المشترك التاريخي» المستقر‬
 ‫مباشرة‪ ،‬فيما عرف باتفاقية‬                                       ‫في «مستودع الهوية» العربي‪،‬‬
   ‫«إبراهيم» بين «إسرائيل»‬                 ‫السردية الأوربية؟‬       ‫عن التعدد العرقي واللغوي‬
    ‫والإمارات والتي صنفها‬            ‫إذا كانت فرنسا على حق‪،‬‬         ‫والثقافي والديني والمذهبي‬
                                      ‫فعليها أن تحترم حقوق‬             ‫والسياسي والطائفي؟!‬
      ‫البعض على أنها ظهور‬            ‫الثقافات الأخرى في إطار‬     ‫هل كان كل ذلك مجرد ستار‬
    ‫التمثل الثقافي للهيمنة في‬     ‫التعدد وقبول الآخر‪ ،‬على ألا‬          ‫كبير‪ ،‬لتفكيك «المشترك‬
    ‫شكله الأبرز الذي عرف‬             ‫يشمل ذلك إقرار الإساءة‬            ‫التاريخي» عند المواطن‬
  ‫بـ»الإبراهيمية»‪ ،‬من خلال‬           ‫الجماعية أو الفردية لدين‬        ‫العربي‪ ،‬والترويج له من‬
 ‫استعادة العلاقة بين الديني‬        ‫المسلمين‪ ،‬لم يطالب مسلمو‬         ‫خلال أبنية الثقافة التابعة‬
 ‫والسياسي‪ ،‬التي كانت أكبر‬         ‫أوروبا بتغيير عقيدة أوروبا‬            ‫«المستلبة للآخر» التي‬
 ‫عقد ومتلازمات أوروبا عن‬              ‫المسيحية لتعترف بنبوة‬        ‫انتشرت في البلدان العربية‪،‬‬
   ‫العلمانية أو فصل السلطة‬          ‫محمد (ص) آخر الأنبياء‪،‬‬              ‫في ظل المراكز الثقافية‬
                                    ‫والمتمم للدين المسيحي‪ ،‬أو‬    ‫الغربية التي تعمل في البلدان‬
      ‫الدينية وتأويلاتها عن‬      ‫التوقف عن إنكار نبوته وعدم‬
       ‫السياسي وحضوره‪.‬‬                ‫اعتبار المسيح (ص) هو‬                         ‫العربية؟!‬
‫محاولة ماكرون ربط الوجود‬         ‫مخلص البشرية الأبدي! هذه‬                ‫وهل من جهة أخرى‬
‫السياسي لمواطنيها المسلمين‬       ‫تباينات في العقائد وسياقاتها‬
    ‫بالقهر الديني والرضوخ‬
  ‫للإساءة لنبيهم (ص)‪ ،‬هي‬                          ‫وطبيعتها‪.‬‬
 ‫استعادة من نوع ما للعلاقة‬         ‫لكن ما يفعله ماكرون ومن‬
   ‫بين السياسي والديني في‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181