Page 168 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 168
العـدد 25 166
يناير ٢٠٢1 التواصل وفيه يلقي المسلمون
منتجات فرنسية (اشتروها
المعاصر بكل متغيراته من المباشرة بالموضوع ،كما نراه بأموالهم) في التّرع
ناحية أخرى ،وقد أدى هذا ونعيشه ،وليس كما نقرأ عنه، والمصارف تفاع ًل مع حملة
إلى دخولنا -في نهايات القرن وعليه فالهوية العربية تتكون مقاطعة المنتجات الفرنسية!
الماضي -إلى ما يطلق عليه لقد بدا الواقع ملتهبًا،
الدراسون «أزمة الهوية» التي من طبقات متراكبة ،بعضها وصار السؤال في مواجهة
تختلف تجلياتها ،وإن كان فوق بعض ،عبر تاريخ الجماهير فع ًل لا يخلو من
أبرزها هو عجزنا الواضح خطورة ،وكأننا بعد قرنين
عن تقديم صورة حضارية طويل ،تاريخ ُمنشئ لهذه من النّقاش وال ّسجال صرنا
لنا ،صورة تعكس قدرتنا الجماعة التي ُتع ّرف اليوم أبعد عن الغاية التي شغلت
بالجنس :فهم العرب ،بالقدر جيل النهضة ،بل صرنا أكثر
الأصيلة على الإسهام في نفسه الذي تع ّرف بالإسلام، إغرا ًقا في تراثنا وانعزا ًل به
التدفق المعرفي والتقني الهادر ديانة وحضارة ورؤية للكون ودفا ًعا عنه ،ومن ثم ،فقد
من حولنا ،فض ًل عن دورنا تضاءلت فرص الحوار بيننا
والحياة. وبين الآخر ،ثم بيننا وبين
المشهود في دورة الحضارة وإذا كنا في الفقرات السابقة أنفسنا ،لقد صرنا كتلة في
الإنسانية.
قد تابعنا الوعي الإشكال ّي مواجهة الآخر ،وكت ًل متفرقة
وقد أدى هذا بالضرورة للثقافة العربية المعاصرة في في مواجهة بعضها ،تتحرك
إلى أن نطق غيرنا نيابة عنا، دفا ًعا عن وجودها دون أن
علاقته بالغرب وبالثقافة تدرك أنها تحطم نفسها في
وأنتج صورتنا وفق ما الغربية ،فإن هذه الفقرة الوقت نفسه!!
يريد ،أو وفق ما تمليه عليه تحاول مقاربة هذه الهوية
وذلك الوعي كما يتبدى لنا ()3
المصلحة والسياسة ،ليس الآن ،وسط إشكالات سياسية
هذا فحسب ،ولكنه ص ّدر محلية وإقليمية وعالمية تآكل الهوية العربية
لنا هذه الصورة عبر خطاب شديدة التأثير ،تجاوزت لا أريد هنا أن أدخل في
دعائي شديد التأثير ،ليس بالهوية العربية مستوى السجالات الفلسفية حول
لأنهم يملكون أدوات إنتاج الأزمة إلى مستوى آخر أكثر الهوية ،ولنقتصر على أقرب
الصورة فحسب ،وإنما لأن خطورة هو «تآكل الهوية» مقاربة لها ،وهي أن يكون
الواقع اليومي -العربي العربية ،وبخاصة في بعدها الموجود مطاب ًقا لذاته دون
الثقافي ونماذجها التاريخية، انفصام أو انقسام ،وهذا
والإسلامي -يق ّدم لهم واختصارها أو اختزالها في ينطبق على الفرد كما ينطبق
باستمرار ما يؤكد لهم هذه البعد الديني وحده ،والغريب على الجماعة الإنسانية
أن هذا حدث مع تطور أدوات والثقافية ذات الخبرة الواحدة
العولمة واتساع مساحتها والتاريخ الواحد ،والطموح
شعبيًّا ،وهذا على عكس ما
بشرت به العولمة في نظر الواحد أي ًضا.
نحاول هنا أن نفهم ما يحدث
المتفائلين بها.
لقد انتهت الفقرات السابقة عبر الخبرة الظاهراتية
إلى هذه النتيجة المؤسفة،
وهي أ ّن العرب لم يتمكنوا
من بلورة هوية متماسكة
في علاقتهم بالتراث من
ناحية ،وفي علاقتهم بالعالم