Page 166 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 166
العـدد 25 164
يناير ٢٠٢1 المقام تعليميًّا مثل هذا.
وهنا يكون السؤال :لما بدا
جبنة فرنس نموذجه المعرفي والقيمي؛ بين التّصورين؟ غضب المسلمين هذه المرة
مخصصة للبيع باعتباره سبب تفوقه وعلّة شام ًل وقاط ًعا وغير قابل
()2
تميّزه. للتفاوض؟
وفي حين ظ ّل النموذج الثاني قد يكون مفي ًدا أن نعود إلى لا يعود الغضب إلى مجرد
الوراء قلي ًل ،لنرى بدايات تقديم ر ْس ٍم للنبي ،وإنما إلى
نخبو ًّيا متعاليًا على الذات تقديم رسم ساخر يتهمه
التاريخية وعلى إشكالاتها تك ّون «الوعي العربي» وعموم المسلمين بالإرهاب..
الراهنة ،وكانت حلوله أقرب المعاصر ،قبل قرنين من
إلى الحلم أو القفز إلى الأمام، الآن ،عبر ال ّسجال مع العقل ولكن اتهامه (ص) بهذه
الغربي والحضارة الغربية، التهمة ليس جدي ًدا ،وإذن
فقد ظ ّل النموذج الأول بكل منجزاتها التكنولوجية هناك أسباب إضافية جعلت
سجين تناقضاته التاريخية، والمعرفية والقيميّة .فقد نمت الغضب الإسلامي عا ًما
وإن بدا جماهير ًّيا شعاراتيًّا تصورات الذات العربية عن
مؤث ًرا على أرض الواقع أعظم نفسها عبر هذا ال ّسجال، وشام ًل!
فتصوراتها عن نفسها جزء تتصل هذه الأسباب بالسياق
ما يكون التأثير. من تصوراتها عن الآخر:
واللافت أن كلا النموذجين الغرب ّي ،المحتل ،القو ّي، العالم ّي الذي يمتد من أوائل
في التحليل الأخير يؤكدان هذه الألفية ليضع العالم
المتق ِّدم.
الأزمة ويعمقانها ،وهما لقد تبلورت «هويتنا الإسلامي والثقافة الإسلامية
م ًعا ش ّكلا الهوية؛ فالآخر المعاصرة» داخل هذا ال ِّسياق كلها بين قوسين ،باعتبارها
المُلتبس ،سواء في فترات
حاضر في كليهما سواء الاستعمار ومقاومته وفيما ثقافة إرهابية تتجسد في
أكان حضوره بالسلب أم بعده على حد سواء ،وكان عناوين أساسية :من الهجوم
طبيعيًّا أن يتخلق نموذجان
بالإيجاب. معرفيان حول هذا ال ِّسجال، على برجي التجارة في
وهذا يعني أن «الثقافة يتقاسمان العقل العرب ّي، أمريكا وليس انتهاء بالحرب
العربية المعاصرة» نشأت وسبل بحثه عن النهوض
في سياق إشكال ّي ،فهي من الدولية على تنظيم الدولة
ناحية تتطلع إلى النموذج والتقدم: (داعش) في سوريا والعراق،
الغرب ّي؛ تستلهم أسسه الأول :النموذج المقاوم الذي
المعرفية والفلسفية ،ومنجزاته يرفض الغرب بكل ما يمثله، وما بينهما من التنظيمات
الاجتماعية والسياسية أو ببعض ما يمثله ،والبحث الإسلامية المسلحة ،وما
والتكنولوجية ،كما أنها ،من عن النموذج النقيض ،أو بعثه أعقب ذلك من عمليات الطعن
ناحية أخرى ،تقاومه بوصفه من ماضي الذات ،باعتباره والدهس العشوائيين في أكثر
نموذ ًجا استلابيًّا معاد ًيا، من عاصمة أوروبية ،وهي
وهذه الإشكالية وسمت الفعل إرثها التاريخي ،وكما فلح العمليات المعروفة بـ(الذئاب
المعرف ّي والثقاف ّي العرب ّي على قدي ًما فلا يوجد ما يمنع
امتداد أكثر من قرنين من فلاحه حديثًا مع بعض المنفردة).
الزمان ،وفرضت عليه مسا ًرا التعديلات المطلوبة. ولك ّن السؤال الذي يحتاج
مزدو ًجا؛ بمعنى أننا نتمثل ما الثاني :محاكاة الغرب
يفد علينا على مستوى المعرفة المتفوق ،بالتّماهي مع إلى تأمل أكبر هو :كيف
ومنجزاتها ،ولكننا في الوقت بدت المسافة شاسعة إلى هذا
نفسه مشدودون إلى تراثنا القدر بين التَّصورات العربية
المعرف ّي والثقاف ّي وإلى تاريخنا
والإسلامية والتَّصورات
الغربية ،وكيف ساعدت
العولمة على تعميق الفجوة