Page 167 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 167

‫‪165‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫وفي المقابل أمعن النموذج‬      ‫يتوقفا إزاءه بكثير من التأمل‬    ‫بشكل عام‪ ،‬وفي تصوري أن‬           ‫سية غير‬
  ‫الأول في هروبه إلى ماضي‬            ‫والبحث‪ ،‬وهو‪ :‬كيف يمكن‬          ‫هذا المسار المزودج ُفرض‬     ‫ع في الأردن‬
   ‫الذات التاريخ ّي‪ ،‬يستدعيه‬                ‫قراءة هذا التراث؟‬       ‫علينا فر ًضا‪ ،‬ولم يكن من‬
                                           ‫وهذا سؤال منهج ّي‬                   ‫السهل تجنبه!‬
       ‫في كل واقعة‪ ،‬يخاطب‬           ‫بالأساس‪ ،‬فض ًل عن تمييز‬                            ‫لماذا؟‬
      ‫به جماهيره‪ ،‬ويؤكد به‬             ‫التراث نفسه‪ ،‬فليس كل‬
 ‫شعاراته‪ ،‬ومع الوقت بدأ في‬             ‫التراث سواء في تشكيل‬      ‫لأن ثقافتنا ممتدة في التاريخ‪،‬‬
  ‫استدعاء أكثر أعلام التراث‬         ‫الوعي الراهن‪ ،‬فلا يستوي‬          ‫وعظيمة الأثر في تشكيل‬
   ‫تشد ًدا‪ ،‬فهيمن التقليد على‬
  ‫التجديد‪ ،‬والنقل على العقل‪،‬‬       ‫مث ًل ‪-‬على مستوى الحضور‬         ‫وعينا ال ّراهن الذي نستقبل‬
   ‫والاتباع على الإبداع‪ ،‬ليس‬       ‫والتأثير‪ -‬تراث ابن رشد أو‬          ‫من خلاله الوافد‪ ،‬وليس‬
   ‫هذا فحسب‪ ،‬وإنما اكتسب‬                                            ‫سه ًل على ثقافة أن تكون‬
  ‫التراث الدين ّي والفقه ّي منه‬      ‫تراث المتصوفة مع التراث‬
‫بشكل خاص بع ًدا ميتافيزيقيًّا‬     ‫الفقهي لابن حنبل وابن تيمية‬    ‫سواها‪ ،‬رغم الدعوات الحالمة‬
                                  ‫ومحمد بن عبد الوهاب‪ ..‬إلخ‪.‬‬          ‫التي زعمت إمكان ذلك‪،‬‬
         ‫متعاليًا على التاريخ‬     ‫لم ُيطرح هذا السؤال بالوعي‬
    ‫وال ِّسياقات‪ ،‬وهذا التَّعالي‬                                   ‫ولكنها وجدت نفسها ‪-‬على‬
   ‫منحه طاقة حضور جعلته‬                ‫المطلوب‪ ،‬وبدا وكأن ك ّل‬       ‫مستوى الممارسة‪ -‬تعيد‬
 ‫عصيًّا على المراجعة‪ ،‬وجعلت‬       ‫نموذج من النموذجين المشار‬
  ‫الحاضر وإشكالاته مرتهنًا‬                                        ‫قراءة ذاتها وتراثها‪ ،‬وجدت‬
                                    ‫إليهما أسير سجنه‪ ،‬فأمعن‬          ‫تراثها يطرح نفسه عليها‬
        ‫بالماضي وإشكالاته‪.‬‬           ‫النموذج الثاني في الهروب‬
    ‫لقد كان محصلة هذا كلّه‬        ‫والانعزالية‪ ،‬ومع الوقت ازداد‬    ‫بقوة‪ ،‬إنه موجود دائ ًما‪ ،‬ولا‬
  ‫أن تح ّولت مجتمعاتنا ‪-‬مع‬        ‫بع ًدا وانفصا ًل‪ ،‬وافتقد معظم‬    ‫يمكن تجاهله‪ ،‬ولا يمكن لنا‬
    ‫العولمة‪ -‬إلى وعي الكتلة‪،‬‬        ‫أداوت تأثيره التي كانت له‬
                                                                            ‫إلا أن نعترف به‪.‬‬
       ‫وإلى سلوك التجييش‪،‬‬                    ‫في القرن الماضي‪.‬‬           ‫ومن هنا كان السؤال‬
    ‫طلبًا للحماية‪ ،‬وخو ًفا من‬                                     ‫الإشكال ّي الذي كان على كلا‬
    ‫المواجهة‪ ..‬وهذا سلوك لا‬                                           ‫النّموذجين السابقين أن‬
     ‫يتكون في أوقات الوعي‬
  ‫الفاعل والمؤثر كما قد يبدو‬
    ‫على السطح‪ ،‬وإنما يتكون‬
   ‫في أوقات اليأس والإحباط‬

      ‫والكبت‪ ،‬فالتخلص من‬
  ‫الكبت هو أهم سلوك يمكن‬
‫ملاحظته على وعي الجماهير‬
 ‫التي تتحرك باعتبارها كتلة‪،‬‬
   ‫وقد يتمثل هذا السلوك في‬
  ‫مظاهر كثيرة منها التكسير‬
 ‫والتحطيم الجماعي لممتلكات‬

        ‫تعود إلى أفراد الكتلة‬
‫أنفسهم‪ :‬دعني أذكرك بمشهد‬

 ‫تداوله المدونون على وسائل‬
   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172