Page 165 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 165

‫‪163‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫هيمنت على الفضاء ال َعقد ّي في‬        ‫ت َع َّزز فيها دور الفرد‪،‬‬     ‫المرجعية الثقافية الغربية في‬
 ‫جزيرة العرب قبل الإسلام‪.‬‬            ‫وبالتالي تع َّز ّزت الرؤى‬
        ‫ورغم ذلك‪ ،‬فقد ق ّدم‬     ‫الفردية والتصورات الفردية‬           ‫تعاملها مع الأنبياء وال ّرسل‬
    ‫المسلمون من غير العرب‬                                           ‫والمرجعية الثقافية العربية‪،‬‬
                                       ‫بلا ح ّد؛ فلا تابوهات‬
‫محاولات لرسم النبي الكريم‪،‬‬         ‫تحجزها أو تملي عليها ما‬          ‫وكأننا إزاء عالمين مختلفين؛‬
    ‫جاءت على سيبل الحفاوة‬
     ‫والتقدير‪ ،‬ولع ّل أشهرها‬        ‫ُيقال وما لا يقال؛ وكما‬         ‫فالغربيون تحركهم مرجعيّة‬
     ‫وأكثرها تداو ًل ما قدمه‬      ‫ُو ِج َد ْت الأعمال الفنية التي‬   ‫ح ّرة إلى أقصى َح ّد‪ ،‬مركزها‬
     ‫الإيرانيون الشيعة‪ ،‬فعلى‬     ‫تسخر من الرؤساء والقادة‬            ‫الحرية والفردية‪ ،‬فهي لا‬
   ‫مواقع الإنترنت يمكنك أن‬        ‫ُو ِج َد ْت الأعمال الفنيّة التي‬
                                 ‫تفعل الأمر ذاته مع ال ُّرسل‬        ‫تعرف الترتيب الهيراركي‬
‫تشاهد أكثر من صورة للنبي‬        ‫والقديسين وتنتزع الحقوق‬
  ‫وغيره من أقطاب آل البيت‪:‬‬        ‫القانونية للمثليين جنسيًا‪.‬‬        ‫الذي يقدم طاعة الكبير على‬
     ‫علي والحسن والحسين‪.‬‬
   ‫ومع تطور العالم الحديث‪،‬‬                         ‫***‬              ‫حرية الصغير‪ ،‬ولا يب ّجل‬
 ‫وهيمنة الصورة على أشكال‬          ‫وإذا عدنا إلى كتب السيرة‬          ‫الزعماء والقادة‪ ،‬بعد أن‬
     ‫التواصل اليومية‪ ،‬فض ًل‬
      ‫عن ضرورتها المعرفية‬            ‫النبوية أمكننا أن نتابع‬        ‫نزل بهم من موقع القداسة‬
      ‫والفنية‪ ،‬وحاجة مؤلفي‬           ‫بسهولة أوصا ًفا دقيقة‬          ‫والنّبالة إلى مواقع الموظفين‬
 ‫ال ُكتب إليها‪ ،‬وبخاصة الكتب‬    ‫للنبي محمد (ص)‪ ،‬بل يمكن‬
    ‫التي توضع للأطفال‪ ،‬كل‬        ‫القول‪ :‬إنه لم يحظ أحد من‬           ‫العموميين‪ ،‬ينتخبهم لفترة‬
     ‫هذا جعل المسلمين أكثر‬      ‫العرب بمثل هذه العناية من‬
 ‫تسام ًحا مع الصورة‪ ،‬فرأينا‬       ‫التتبع لأوصافه الجسدية‬            ‫محددة‪ ،‬وسري ًعا تنتهي‬
    ‫كتا ًبا مثل «القرآن وحياة‬      ‫في مراحل العمر المختلفة‬          ‫ولايتهم‪ ،‬ويأتي غيرهم عبر‬
     ‫الرسول محمد» للكاتب‬          ‫مثله‪ .‬وهي أوصاف قادرة‬
   ‫الصحفي «كاري بلوتكن»‪،‬‬        ‫بمجرد استيعابها على تقديم‬            ‫انتخابات ُمق َّررة‪ ،‬ليراهم‬
‫وبضم خمس عشرة صورة‪،‬‬               ‫صورة وصفية له‪ ،‬ولكنها‬             ‫الناس‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬في قاعات‬
 ‫بالإضافة إلى صورة الغلاف‬         ‫بقيت دائ ًما صورة لغوية‪،‬‬
  ‫التي تجسد حادثة الإسراء‬        ‫تنتقل من اللغة إلى التخييل‬         ‫المحاضرات وفي الأسواق‪،‬‬
                                 ‫الذات ّي الفرد ّي الح ّر‪ ،‬تعيش‬
‫والمعراج‪ ،‬ونرى فيها شخ ًصا‬         ‫في ضمائر المؤمنين فقط‪،‬‬           ‫دون هالات «فوق‪ -‬إنسانية»‪.‬‬
‫ملتحيًا‪ ،‬يتمنطق سي ًفا ويركب‬     ‫ولا تخرج إلى الإطار الماد ّي‬
                                  ‫المحسوس الذي قد يجعل‬              ‫كما أنهم لا يجدون حر ًجا في‬
     ‫حصا ًنا بجناحين ووجه‬        ‫من صورة «محمد» أيقونة‬              ‫تجسيد الأنبياء والقديسين‬
  ‫امرأة‪ ،‬في إشارة إلى البراق‪.‬‬      ‫على نحو ما فعلت الديانة‬
                                     ‫المسيحية مع «عيسى»‬             ‫على شاشات السينما‪ ،‬طب ًقا‬
      ‫(موقع واي باك مشين‬
      ‫‪Mohammed Image‬‬                      ‫(عليهما السلام)‪.‬‬          ‫للرؤى (الفردية) ووجهات‬
                                      ‫ومن السهل تف ُّهم هذا‬
                 ‫‪.)Archive‬‬      ‫التخوف من قبل ديانة قامت‬            ‫النظر التي يطرحها كاتبو‬
  ‫ولم يثر هذا الكتاب استياء‬     ‫بالأساس على فكرة التوحيد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإن بدوا متحفظين‬         ‫والتنزيه‪ ،‬وجعلت حربها‬            ‫السيناريو ومخرجو العمل‬
  ‫بشكل كبير على فكرة رسم‬         ‫الأساسيّة على الوثنية التي‬
 ‫الرسول (ص) حتى لو كان‬                                              ‫السينمائي أو الدرام ّي‪ ،‬وهي‬
                                                                     ‫رؤية قد تتسع لأ ّي تصور‬
                                                                    ‫هامش ّي يناقض التَّصورات‬
                                                                           ‫الأصولية المتوارثة‪.‬‬

                                                                    ‫يبدو الأمر إذن وكأننا إزاء‬

                                                                    ‫تصورين متعارضين‪ ،‬أو‬

                                                                    ‫وكأننا إزاء تصورين ينتميان‬

                                                                    ‫إلى نمطين من التفكير‬

                                                                       ‫جماع ّي‬  ‫والمرجعية‪ ،‬نمط‬
                                                                    ‫التّصورات‬   ‫هيرارك ّي‪ ،‬تمثِّله‬

                                                                    ‫العربية والإسلامية ونمط‬
                                                                    ‫آخر فرد ّي رأسمال ّي‪ ،‬حداث ّي‪،‬‬
                                                                       ‫تمثِّله الثقافة الغربية التي‬
   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170