Page 169 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 169

‫مع تطور العالم الحديث‪ ،‬وهيمنة‬                                 ‫كاري بلوتكن‬
  ‫الصورة على أشكال التواصل اليومية‪،‬‬
  ‫فضًل عن ضرورتها المعرفية والفنية‪،‬‬                           ‫الصورة‪ ،‬أو لنقل‪ :‬يق ّدم لهم‬
  ‫وحاجة مؤلفي ال ُكتب إليها‪ ،‬وبخاصة‬                             ‫الأدلة التي تؤكد صدقها‪.‬‬
   ‫الكتب التي توضع للأطفال‪ ،‬كل هذا‬                              ‫لقد افتتحت الألفية الثالثة‬

      ‫جعل المسلمين أكثر تسام ًحا مع‬                           ‫بالهجوم على برجي التجارة‬
‫الصورة‪ ،‬فرأينا كتا ًبا مثل "القرآن وحياة‬                      ‫في نيويورك‪ ،‬مما مهد لغزو‬
‫الرسول محمد" للكاتب الصحفي "كاري‬                               ‫أفغانستان ثم العراق الذي‬

   ‫بلوتكن"‪ ،‬وبضم خمس عشرة صورة‪،‬‬                                  ‫سبق أن تعرض لحصار‬
‫بالإضافة إلى صورة الغلاف التي تجسد‬                               ‫دولي عقب غزوه للكويت‬
                                                                ‫في أوائل تسعينيات القرن‬
                 ‫حادثة الإسراء والمعراج‬                       ‫الماضي‪ .‬وقد وضع هذا كله‬
                                                             ‫نهاية الحلم القومي الذي نما‬
     ‫من الحكومات على كافة‬     ‫على استقلالها‪ ،‬وعجزت عج ًزا‬     ‫وازدهر مع جيل النهضة ثم‬
‫المستويات‪ ،‬والحكومات تبدو‬       ‫واض ًحا عن مواجهة أزمات‬         ‫مع جيل الثورة‪ ،‬وتعرض‬
                                    ‫الصحة والتعليم‪ ..‬إلخ‪.‬‬     ‫لانتكاسته الكبرى في هزيمة‬
  ‫مطمئنة إلى ما تتمتع به من‬         ‫وهذه مكونات أساسية‬
  ‫مزايا على كافة المستويات‪،‬‬      ‫في مفهوم الهوية العربية‪،‬‬                 ‫يونية ‪1967‬م‪.‬‬
                                   ‫وهي كما ترى تعرضت‬            ‫كان طبيعيًّا أو متوق ًعا أن‬
    ‫ولم يكن لهذا الوضع أن‬        ‫لتآكل كبير‪ ،‬ومع استمرار‬         ‫يؤدي هذا كله إلى إحباط‬
  ‫يستمر‪ ،‬فمع تراكم الغضب‬         ‫الاستبداد وترسخ الفساد‬         ‫عربي شامل؛ فكل أشكال‬
                                     ‫في المجتمعات العربية‪،‬‬
      ‫وازدياده بدا أن العالم‬   ‫تفككت البنية الاجتماعية إلى‬          ‫الوحدة انتهت نهايات‬
   ‫العربي أوائل العقد الثاني‬      ‫عناصرها الإثنية العرقية‬     ‫مأساوية‪ ،‬ومعها كل الوعود‬
‫من هذه الألفية على موعد مع‬      ‫والدينية والمذهبية‪ ،‬وهو ما‬
 ‫ثوراته الكبرى‪ ،‬وهي ثورات‬      ‫شاهدناه جليًّا في العراق من‬         ‫التي وعدت بها الدولة‬
 ‫وجهتها الشعوب إلى الحكام‬        ‫حروب طائفية وانقسامات‬            ‫القومية التي نشأت بعد‬
  ‫بالأساس‪ ،‬باعتبارهم سبب‬                                        ‫الاستعمار؛ فقد فشلت في‬
    ‫تراجعها‪ ،‬وعلّة هزائمها‪.‬‬   ‫عرقية بعد غزوه في ‪2003‬م‪.‬‬          ‫تحقيق الرفاهة‪ ،‬ولم تنجز‬
                                   ‫ومع استمرار الاستبداد‬     ‫الوحدة العربية‪ ،‬بل لم تحافظ‬
      ‫لقد أدى فشل الثورات‬
‫العربية وانتكاساتها إلى تحلل‬  ‫والفساد‪ ،‬ومع الفشل المتراكم‬
                              ‫للدولة الوطنية تخلّقت ثنائية‪:‬‬
    ‫مزيد من الدول العربية‪،‬‬
 ‫وهو تحلل بدا أعمق وأشمل‬           ‫(الشعوب‪ /‬الحكومات)‬
  ‫مما كان عليه قبل الثورات‪،‬‬       ‫وتعمقت الهوة بين طرفي‬
                                 ‫الثنائية‪ ،‬بحيث صرنا إزاء‬
    ‫مما مهد للحروب الأهلية‬       ‫طرفين عصيّين على اللقاء؛‬
  ‫والمذهبية في اليمن والعراق‬
  ‫وسورية‪ ،‬كل هذا في سياق‬            ‫فالشعوب تبدو غاضبة‬
  ‫إقليم ّي أوسع‪ :‬ففيه يتحدث‬

      ‫الإيرانيون عن القومية‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174