Page 271 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 271

‫‪269‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫نص ونقد‬

  ‫هذه القصيدة انطوت على تفاصيل‬             ‫الشهد‪ /‬الورد‪ /‬الثما‪ /‬الحلاوة‪،‬‬                             ‫باللوز‪.‬‬
      ‫الذات وعلاقتها مع الجغرافية‬       ‫كل هذا الحضور المألوف والمعروف‬       ‫قصيدة حياة طافحة بالمتع واللذائذ‪،‬‬
                                         ‫لرموز وحياتيات من أجل البصرة‪،‬‬
   ‫والفضاءات المتنوعة‪ ،‬إنها شهادة‬       ‫التي عرفها الشاعر وعاش تفاصيل‬             ‫والأحلام التي لا تنتهي‪ ،‬لأنها‬
  ‫شخصية واعتراف شفاف قال ما‬            ‫الحلم فيها‪ ،‬وتعرف على الحب هناك‪.‬‬          ‫متناسلة‪ ،‬والمكان يحيا بأحلامه‬
                                       ‫لهذا الفضاء الواسع ارتباط قوي مع‬       ‫ويقظة الوافد إليه‪ ،‬محم ًل بالحنين‬
             ‫ظل كامنًا في أعماقه‪:‬‬        ‫الشاعر واستدعاء الذاكرة بحضور‬         ‫له في كل شتاء‪ ،‬والبصرة حياة‪/‬‬
  ‫إيه غاليتي‪ ،‬من قبل في فتوة العمر‬                                              ‫نبع متدفق باستمرار منذ الأزل‪،‬‬
                                            ‫رمزي لوقائع ومرويات كثيرة‪.‬‬          ‫هذا هو الأسطوري في القصيدة‪،‬‬
             ‫سعيت إليك‪ ..‬بظلالك‬         ‫تتدلى من سقف محطات العمر ثمار‬           ‫أسطورة المكان المقدس والتاريخ‬
                 ‫أطفأت مراهقتي‬                                              ‫الذي تخلى عن وقائعه ليفسح مجا ًل‬
                                          ‫لا يعرف طعم المتدلي منها‪ ،‬إلا من‬     ‫للأسطورة‪ /‬والمقدس‪ ،‬حتى تبقى‬
    ‫ولأنك دافئة يدفعني البرد إليك‬                          ‫ذاق حلاوتها‬      ‫المروية حية في القصيدة‪ ،‬والأسطورة‬
          ‫يا أجمل مشتى في الدنيا‬                                                ‫أبقى من التأريخ حتى وإن ظلت‬
                                          ‫بعد النضج يتأرجح قلب العاشق‬
 ‫في كل شتاء يهرب قلبي مني‪ ،‬يعبر‬             ‫ويداه ممسكتان بظفيرة عاشقة‬                          ‫الذاكرة حية‪.‬‬
                   ‫جسر الشوق‬                                                         ‫ِ َل َ ْل تغر إسماعيل ليبقى‬
                                                          ‫أنعسها الوجد‬         ‫ِ َل َ ْل ترو إسماعيل؟ وهو القاصد‬
           ‫يحمل وع ًدا منك ويأتي‬             ‫في السبعين من القرن الماضي‬
 ‫أتدثر بالوعد الحالم بين ثنايا اللوز‬    ‫وقصيدة (نبع يتدفق) مروية حازت‬                     ‫نب ًعا يتدفق بعد لقاء‬
                                        ‫على عناصر السرد المعروفة‪ :‬الزمان‬                      ‫النهرين حليبًا‪..‬‬
             ‫بين المد والجزر أنام‬       ‫والمكان‪ ،‬الشخوص‪ ،‬كما تميزت هذه‬
   ‫(نبع يتدفق) قوة الحياة وطاقتها‬          ‫الحكاية بالسببية والنمو الداخلي‬             ‫من وحيك أسرج مهرته‬
                                       ‫الواضح‪ ،‬وما يميز القصيدة هذه عن‬         ‫واستبدل شم ًسا بشمو ٍس أذهلت‬
     ‫الكبرى‪ ،‬والنبع ثورة الانبعاث‬       ‫المروية هو عناصر الشعر التقليدية‪،‬‬
‫والخصوبة الكامنة في الأرض‪ ،‬والتل‬          ‫وقد اخترقها الشاعر كثي ًرا بحيث‬                             ‫الدنيا‬
                                          ‫ارتفع صوته بالحضور والهتاف‪،‬‬         ‫لا تعرف غير الحب‪ ،‬وغير الحرب‬
  ‫والجبل‪ ،‬هو الوحيد النبع الموجود‬      ‫لأن الشاعر جعفر هجول أراد إيصال‬
     ‫في الأماكن العالية والمنخفضة‪.‬‬        ‫خطاب‪ /‬صوت‪ /‬رسالة صريحة‬                  ‫على الظلم وغير العدل طريق‪..‬‬
    ‫وله حضور متمركز في العقائد‬         ‫مكشوفة للمدينة التي عرفها‪ ،‬كما أن‬        ‫يلاحظ أن الشاعر فتح أسطورة‬
                                                                               ‫إسماعيل وجعل من القرنة مكان‬
   ‫والخطابات‪ ،‬وأي ًضا في الأساطير‪،‬‬                    ‫جعفر هجول‬               ‫لقاء النهرين وتشكل مكان مقدس‪،‬‬
     ‫وهو متجاور مع البئر‪ ،‬كلاهما‬                                                ‫إنه رحم حاضن للنهرين‪ ،‬ولأن‬
                                                                                ‫إسماعيل ووالدته عرفا العطش‪،‬‬
‫متدفقان ولا ينضب ماؤهما‪ ،‬وجرت‬                                                ‫جاورهما الشاعر مع القرنة‪ ،‬فضا ًء‬
 ‫مرويات توراتية حول النبع‪ ،‬وكان‬                                             ‫خا ًّصا بالماء والعذوبة‪ ،‬هل هي دلمون‬
‫وسي ًطا بين جسدين‪ ،‬للرجل والمرأة‪.‬‬                                                ‫كما في بعض الأساطير؟ أم هي‬
 ‫والنبع رمز الطهارة والبياض‪ ،‬وهو‬                                            ‫فضاء الشعر الذي أسطر الماء‪ ،‬وكأن‬
                                                                               ‫الشاعر استعاد الماء بوصفه رم ًزا‬
   ‫يكون وسي ًطا للاتصال الجنسي‬                                              ‫متعاليًا‪ ،‬باعتباره من الأنماط الرمزية‬
   ‫عندما تغادره المرأة أو تكون فيه‪.‬‬                                            ‫العليا إضافة الى التراب‪ /‬الهواء‪/‬‬
 ‫والنبع مستمر بتدفقه‪ ،‬وكثيرة هي‬                                              ‫الشمس‪ ،‬ولذا كان للشمس حضور‬
  ‫التي ظلت زمنًا طوي ًل‪ ،‬لأن مكانها‬                                         ‫في النص‪ ،‬وهو حضور مكشوف‪ ،‬أما‬
‫يغذيها دو ًما‪ ،‬ولم يجد الشاعر جعفر‬                                            ‫التراب فله حضور رمزي‪ ،‬وللهواء‬
‫هجول أكثر رمزية من النبع‪ ،‬شفا ًفا‬
   ‫وقريبًا من الملتقى ليعبر به ومن‬                                                ‫حضور يمكن الاستدلال عليه‬
                                                                               ‫بواسطة المقاطع الشعرية المؤكدة‬
              ‫خلاله عن البصرة‪.‬‬                                               ‫على الحياة‪ /‬النخل‪ /‬اللوز‪ /‬العطر‪/‬‬
    ‫لم ير الشاعر البصرة من خلال‬
‫الخضرة‪ /‬الانبعاث وديمومة الحياة‬

      ‫فيها‪ .‬وقد اضفى على البصرة‬
  ‫أجمل الصفات ومنحها خصائص‬
 ‫المدن الخيالية‪ .‬واستذكر عناصرها‬
 ‫التاريخية المانحة لها موق ًعا لم يكن‬
   266   267   268   269   270   271   272   273   274