Page 270 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 270

‫العـدد ‪27‬‬                            ‫‪268‬‬

                                     ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

‫الحياة والموت‬

  ‫في (نبع يتدفق)*‬
                                                        ‫ناجح المعموري‬

‫العراق للشاعر جعفر هجول‬

     ‫الشاعر جعفر هجول لم يمنحه‬           ‫تفاصيل البهجة والفرح‪ ،‬تنطوي‬      ‫تثير بنائية هذه القصيدة ملاحظة‬
 ‫فرصة ‪-‬ولو سريعة‪ -‬للتسلل نحو‬           ‫في اللاوعي على خوف من اللحظة‬
  ‫قصيدته ذات التفاصيل الاحتفائية‪،‬‬       ‫التي أشرنا لها‪ ،‬هي لحظة الموت‪.‬‬    ‫جوهرية لها علاقة مباشرة بالمتحقق‬
‫وهذه هي السيادة الظاهرة للاحتفال‬      ‫هذه التراجيديا القاسية التي وقفت‬        ‫المأساوي المرافق لرحلة الشاعر‬
  ‫بالقصيدة وحتى بالأمور البسيطة‪،‬‬       ‫عاتية في زمن متحرك‪ .‬لكني أعتقد‬         ‫جعفر هجول إلى مدينة البصرة‬
                                        ‫بان الحياة وتفاصيلها هي الأكثر‬        ‫لحضور فعاليات مهرجان المربد‬
    ‫ويبدو لي أن الشاعر كاشف عن‬        ‫حضو ًرا في ذاكرة المتلقي والأوضح‬
     ‫سرية خاصة وذاتية‪ ،‬لكن هذه‬          ‫تأثي ًرا‪ ،‬والغريب في هذه القصيدة‬  ‫سنة ‪ ،2010‬وعلى الرغم من أن هذه‬
 ‫السرية مضيئة لتفاصيل لم يصرح‬           ‫كما ذكرت أهمية البنائية الفنية‪/‬‬       ‫الموجهات ذات طاقة في تحققات‬
    ‫بها علنًا‪ ،‬بل شفت ملتمعة أوقات‬    ‫والفكرية الكاشفة عن رؤية الشاعر‬
      ‫للآخرين الذين عرفهم الشاعر‬       ‫تجاه الحياة والموت‪ ،‬على الرغم من‬    ‫القراءة التي يفترض بها أن تتعامل‬
 ‫وكانت البصرة مكا ًنا لتلك المرويات‬  ‫أنه لم يقترب تما ًما من الموت ولحظة‬    ‫مع النص‪ ،‬بعي ًدا عن موجهات من‬
    ‫المكرسة بالتواصل المستمر‪ .‬لقد‬        ‫الإحساس به‪ ،‬فالقصيدة ضاجة‬          ‫الخارج‪ ،‬لكني أعتقد بأن التفاصيل‬
  ‫استعادت ذاكرة الشاعر التفاصيل‬      ‫بقوة الحياة وصخبها في أزمنة عاش‬      ‫ذات تأثير مباشر على القراءة التي لا‬
‫المكانية في مدينة البصرة والتفاصيل‬      ‫فيها وتعرف على البصرة‪ ،‬مدينة‬        ‫تستطيع مقاومة المعلومات المحيطة‬
  ‫مك ّون بنائي ووحدة أكثر حضو ًرا‬
‫ووضو ًحا‪ ،‬لأن الجغرافية تشف عبر‬           ‫التفاصيل‪ ،‬إنها أزمنة الماضي‪/‬‬               ‫بالنص ودوافع كتابته‪.‬‬
 ‫تنوع الفضاءات والأمكنة‪ ،‬والبصرة‬     ‫الحاضر‪ /‬المستقبل‪ ،‬لكن الموت المعلن‬         ‫يبدو لي بأن هذا النص وثيقة‬
  ‫جغرافية فضاءات توحي بعدد من‬                                               ‫وشهادة عن لحظة زمنية في حياة‬
‫الوحدات المكانية‪ ،‬وأشبع الشاعر هذه‬    ‫عنه في القصيدة هو الذي قطع على‬            ‫الشاعر‪ ،‬لحظة استقراء الآتي‪،‬‬
 ‫الوحدات حتى تمظهرت كالتفاصيل‬            ‫الشاعر فرصة معايشة المكان‪/‬‬             ‫واستشراف الما بعد‪ .‬لكن هذا‬
    ‫السردية‪ ،‬التي هي من خاصيات‬                       ‫البصرة مستقب ًل‪.‬‬       ‫الخوف المبثوث في تفاصيل النص‬
  ‫الفضاء البصري‪ .‬والفضاء مشتى‬                                               ‫متسع وواضح للقراءة وهو تعبير‬
  ‫والنوم بين المد والجزر‪ ،‬هذا مكان‬    ‫اعتمد الشاعر على استعادة الماضي‬        ‫عن لحظة ملاحقة له‪ ،‬لحظة عزل‬
  ‫الأنا‪ /‬الذات‪ ،‬سرير هو الأسطورة‬      ‫والتغني به‪ ،‬ماضي المباهج الفردية‬    ‫وانقطاع‪ ،‬لحظة الموت‪ ،‬وربما يتبادر‬
  ‫والرحلات حركة مثل المد والجزر‪،‬‬     ‫وسعادات كثيرة‪ ،‬ضاجة في القصيدة‬        ‫للذهن الجو العام للنص وما أشاعه‬
‫وقصيدة الشاعر واضحة في التوحيد‬        ‫مع ذاكرات وشخوص اقتربت إلينا‬        ‫الشاعر من أحلام مستعادة وسعادة‬
   ‫بينهما والرحلات وأحلامه الحالمة‬   ‫وتلمسنا بع ًضا منها‪ .‬هذه التفاصيل‬         ‫حاضرة‪ ،‬من أن النص احتفالي‬
                                      ‫الماضوية هي التي لم تفسح فرصة‬        ‫بالحياة وتتسع فيه فعاليات حياتية‬
                                        ‫للموت بالمثول ‪-‬ولو خاط ًفا‪ -‬لأن‬   ‫مستذكرة‪ ،‬مسحوبة من ذاكرة حية‪/‬‬
                                                                              ‫يقظة‪ .‬وإشاعة الحياة من خلال‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274