Page 40 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 40
العـدد 27 38
مارس ٢٠٢1
لمحاو ِره طامي محمد حول التفاو ِت بين درويش عن أ ّي شرف ٍة يتح ّد ُث سعادة؟ هل هي الشرف ُة
المتعار ُف عليها؟ أم شرف ُة حيا ِته؟ أم شرف ُة ذا ِته؟
وسعادة في استثمار حالة الغياب:
وجود ّي ٌة “الغيا ُب ليس مج ّرد مفرد ٍة .بل هي ر ّص ٌة
تفري ِغها تتول ُد عنها فلسف ٌة جماليّ ٌة ..وديع يبال ُغ في أم شرف ُة الوجود؟ يقينًا ليس هدفنا بتحديد إجاب ٍة
يقينيّ ٍة؛ فالإجابا ُت اليقينيّ ُة ُتفق ُد القصيدة جز ًءا كبي ًرا
من الكلام ،وتأثيثِها بالصمت ،بما هو أعلى درجات من عمرها وقيمتها.
الكلام عن َده ،لأ ّن طق َس الغيا ِب الذي عاشه إ ْث َر
حد ِث الفق ِد المركز ِّي الأو ِل في حياته أقسى من أ ْن الذات هنا تتل ّمس من الذاكرة دوا ًء ما ،عساها تملأ
تستوع َبه المفردات ،حيث َع َب َر تجرب َة انعدا ِم المعنى، فرا َغ المقاعد حولها.
تستم ُّر الذا ُت في استدعاء صو ٍر متع ّدد ٍة للآخر من
وأقو ُل المتعالي بمخاطبة الذا ِت المطلق ِة بعبارا ٍت الذاكرة ،فيقول سعادة:
دالّ ٍة حتي صار يماهي الغيا َب بالعدم ،كما تشي ُر
مسكوكا ُته اللفظيّ ُة ،وهو ما ُيعر ُف نقد ًّيا بالقيم ِة “ لم أك ْن أعر ُف لماذا كان أبي ينهرني عن ع ّد
النجوم .الآن أعرف أ ّن ذلك كان خو ًفا من غياب
وهو الأم ُر الذي الخليّ ِة المف ِّسرة، المهيمنة ،أو أحد رفاقي .كان يعل ُم أ ْن ليس ك ُّل الرفاق دائ ًما
عليها الغياب والتنويع افتتا َنه بمفرد ِة يف ِّس ُر أي ًضا سيحضرون ،وأ ّن عد ًدا كبي ًرا منهم لا ب ّد يو ًما
أغل ِب النصوص ..تؤ ّكد أ ّن الن َّص لاب ّد كتعويذ ٍة في للسعيرغايءُ،ب،مرواأ ّنٍتنىعديسدأةنامم،نفديوتلنكرافلاخقي.م ِةكاالمنفأتبويح ِة
أ ْن يشب َه مبد َعه تما َم الشبه ،فليس ث ّم َة اغترا ٌب
كمبد ٍع وبي َن ن ِّصه .ولا يوج ُد افننِّف ٌّي أصاو ٌلنبفيسن ٌّيوبديي َنعه بالتأكيد يعر ُف أعما َق مشاعري ،ويحبّني فوق
كذا ٍت وبين موضو ِعه الشعر ّي.. التص ّور”(.)46
حتى مفردا ُته لا يبدو أ ّنها من ذلك النو ِع الذي يق ُف
طوي ًل أمام المرايا .إ ّنها دفق ُة الذا ِت المتألم ِة والحالم ِة نحن هنا أمام ثلاث ذوات تتداخل تحت هيمنة الأنا
بالخلا ِص الجمع ّي ع ْب َر الفرد ّي”(.)48 الفنيّة لسعادة:
نعم ،الذا ُت المتألم ُة والحالم ُة بالخلا ِص الجمع ّي ع ْبر ذات الشاعر ،ذات الأب ،ذات الرفاق الغائبين.
الفرد ّي ،عبارة د.محمد العباس تلك معبّر ٌة تما ًما إ ّن ذا َت الشاع ِر نف َسها منقسم ٌة بين زمنين :ذات
ع ّما حاولنا في هذا الفص ِل إثبا َته بأ ّن الذا َت والآخ َر زم ِن الماضي حيث البراءة والتص ّورات الحالمة،
وذات زمن الحاضر التي ُتغلِّف مرار َتها حكم ُة
ليسا شيئين منفصلين أو متضادين ،بل الذات الشاعر التي صارت قادر ًة على استيعاب الغياب،
تحم ُل في داخلِها الآخ َر شاءت أم أبت ،ربما يكون
ذلك الأم ُر أوض َح في شعر ّية سعادة لأ ّن انحيا َزها فهل الشاع ُر في تلك الحالة تشع ُر ذا ُته بالخيبة؟ أم
أ ّنها تتغل ُب على خيبة أملها.
الأه َّم والأكب َر كان دائ ًما هو الإنسان. “إن الشاع َر لا يخا ُف من ماضيه الخائب ،لأ ّنه لم
لكنّنا نحتف ُظ بح ِّقنا فى التح ّف ِظ على رأي د.العباس يعد يمار ُسه ،فهو في لحظة (الآن) لا يمار ُس سوى
أ َّن حد َث الفق ِد المركز ّي الأول في حيا ِته كان أقسى
من أ ْن تستوع َبه المفردا ُت ،فتلك مبالغ ٌة كبيرة ،ربما الإجرا ُء الوقائ ُّي الذي تتخ ُذه الحلم (البناء) ،وهو
والفشل .ولحظة (الآن) من أهم الأنا لمواجه ِة الخيب ِة
قاد ْته إليها نزع ُته في إثبا ِت أث ِر الغيا ِب على ذا ِت
غسياعا ِبد اةلمفورشد ِةعرن ّيفتِهِسفها!ظ َّنوأ ّنخ َله َطقدبعي َضص ُاللهشذاياءلتفأىثي ُرطرإل ِحىه العناصر الغنائيّة في القصيدة ،لأ ّن الأنا تكو ُن في
تما ٍّس مباش ٍر مع المعاناة ،فأنا الشاعر هنا تكش ُف
عن نفسها ،لذا تتح ّرر من خوفها”(.)47
ذلك انعدا ِم المعنى؛ فهو يب ّر ُر تجرب ِة لفكر ِة عبو ِر إذن لحظة (الآن) هي بمثابة كش ٍف أو انتصا ٍر
ذا ِته يعبّر عن أث ِر الغيا ِب على أراد أ ْن بأ َّن سعادة للذات على لحظ ِة الماضي كما يتض ُح من كلام
فغابت الكلما ُت وغ َل َب الصمت. د.محمد جاسم جبارة.
وهنا يمكن طر ُح سؤا ٍل افتراض ٍّي :هل لو أراد
يتح ّد ُث عن الملل ،فهل مهذخارمٌجب ّر ٌرسينمقمانئٌع ٌّيله ُأص ْْنن َعيفجيعل َل ٍمه فهل استوعب ْت ذا ُت سعادة آلا َم الغياب ،وح ّول ْتها
فيل ًما مم ًّل؟! قط ًعا لا؛ طاق ًة للحضو ِر ،حضو ِر الف ِّن على الأقل؟
يقول الناق ُد محمد العباس وهو يجي ُب سؤا ًل