Page 43 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                                    ‫د‪.‬علي كرزازي‬

                                                           ‫(المغرب)*‬

       ‫نمط الاغتراب المكاني‬
‫في الشعر الصوفي بالأندلس‬

    ‫هكذا إذن حملنا معه الشيخ الأكبر على أجنحة الصحبة والخيال في سفر‬
      ‫إسراري يكتب تاريخ الذات‪ ،‬فيما هو يرتاد جغرافية الروح ليضع اليد‬
      ‫على تلاوين اغتراب روحي جعل الصوفي‪ /‬الوالي ينفصل عن تاريخه‬
     ‫الفعلي ليتحد بالمطلق الإلهي حيث تنمحي تناقضات الواقع وإكراهاته‪،‬‬
      ‫بذا نفهم كون "الولاية هي حرف ًّيا القرب‪ ،‬لكن هذا القرب مزدوج‪ :‬القرب‬
        ‫من الله بحيث لا يكون الوالي ول ًّيا بالكامل إلا إذا كان قري ًبا أي ًضا من‬
       ‫الخلق‪ .‬ابن عربي يماهي الإنسان الكامل بالشجرة التي "أصلها ثابت‬
                                                      ‫وفرعها في السماء"‬

     ‫مدنهم والانتقال للعيش في مدن أخرى داخل‬          ‫إذا كانت الغربة قد ارتبطت ‪-‬في وعي الشعراء‬
‫الأندلس‪ ،‬هر ًبا من الفتن والاضطرابات السياسية‬
 ‫واتقاء لمفاجآت الزمان‪ ،‬ومنهم من انتقل إلى مدن‬       ‫والكتاب العرب‪ -‬بمفارقة الوطن والأحبة‪ ،‬فإنها‬
‫شمال أفريقيا‪ ،‬خاصة إلى العاصمة الموحدية بحثًا‬         ‫ظلت منحصرة في هذا البعد الجغرافي (المكاني)‬
                                                       ‫وما يتركه من أعراض نفسية تلم بهذا الشاعر‬
    ‫عن عمل أو تق ُّر ًبا للأمراء الموحدين كابن زهر‬  ‫أو الصوفي الذي وجد نفسه مدفو ًعا إلى أن ينزح‬
 ‫الطبيب وابن رشد الفيلسوف وابن حربون وأبي‬            ‫عن وطنه لسبب أو لآخر‪ ،‬ولا شك أن الأوضاع‬
                                                    ‫السياسية في الأندلس في القرون الأخيرة للتواجد‬
                             ‫المنخد الشلبي»(‪.)3‬‬       ‫العربي والإسلامي هناك‪ ،‬اتسمت باشتداد أوار‬
  ‫وقد اهتمت العديد من المظان التاريخية بتفصيل‬
‫القول في رصد ظاهرة الهجرة هاته‪ ،‬من ذلك مث ًل‬             ‫الفتن والاضطرابات العامة(‪ )1‬واحتدام ذروة‬
   ‫كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» لابن‬          ‫الصراع بين المسيحية والإسلام من جهة‪ ،‬وبين‬

     ‫بسام(‪ )4‬وكتاب «نفح الطيب» للمقري(‪ )5‬الذي‬          ‫الاتجاهات المختلفة في المجتمع الأندلسي ‪-‬من‬
‫خصص فيه الجزء الثاني للمهاجرين من الأندلس‬           ‫جهة أخرى‪ -‬من سنة وشيعة وأشعرية ومعتزلة‬
                                                    ‫وفلاسفة ومتصوفة(‪ ،)2‬وقد كان هذا العامل سببًا‬
  ‫إلى المشرق‪ .‬وإجما ًل يستشف من هذه المظان أن‬        ‫في رحيل «عدد كبير من الشعراء الأندلسيين عن‬
  ‫العديد من أعلام الأندلس اضطروا تحت اشتداد‬
‫ضربات المسيحيين وشراسة هجماتهم إلى الرحيل‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48