Page 38 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 38

‫العـدد ‪27‬‬  ‫‪36‬‬

                                                                                                ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

                                                            ‫الخصوصيّة الح ّرة‪.‬‬                    ‫إن ذات»سعادة» لا تكتفي بالانتقالات بين الأمكن ِة‬
‫وتع ُّدد الذوات والآخر‪ ،‬وجميع الأصوات داخل ذات‬                                                     ‫والذوا ِت الأخرى‪ ،‬بل تنتق ُل ع ْبر الأزمن ِة‪ ،‬تتماهى‬
‫الشاعر‪ ،‬لا نعني به تع ّد َد الأصوات فنيًّا‪.‬‬
‫«عإمّنليةفعت َلخالليتحص ّر ارلأانلاذ مينينوفذعه ٍيالجعمما ُلعا ٍّليإبقادائعم‪ّ ،‬ي‪،‬وإهدوخالِها‬         ‫مع ك ّل ما يمثًل جوه َر الإنسان‪ ،‬يقول سعادة‪:‬‬
    ‫في حيّز الفرد ّية‪ ،‬وهي أول خطوات تكوين الأنا‬                                                  ‫“ شبطين ‪ 18‬أيلول ‪ ،1837‬الساعة ‪ 12‬و‪ 14‬دقيقة‬
    ‫الفاعلة‪ ،‬أي الأنا ذات السمات المميّزة المؤ ِّثرة في‬
‫إيجاد الموضوع وتكوينه»(‪.)39‬‬                                                                                      ‫ظه ًرا‪ :‬ماذا حدث في تلك اللحظة؟‬
                                                                                                  ‫ربما ر ّن صو ُت كأسين‪ ،‬ربما ارتفع ْت صرخة‪ ،‬لا‬
‫كلام د‪.‬محمد جاسم جبّارة في المقطع السابق لا‬                                                         ‫يعر ُف لكن ما حد َث في تلك اللحظة ممزو ٌج الآن‬
‫يتعار ُض مع ما ذهبنا إليه في هذا الفصل‪ ،‬ذلك‬
‫بوصف أ ّن «الأنا» الفنيّة تختل ُف عن الذا ِت التي قد‬                                                        ‫برائح ِة جس ِده ويعر ُفه بالتأكيد نسي ُمه‬
‫تنقس ُم‪ ،‬أو تتماهى مع غيرها؛ فالأنا الفنيّ ُة تلك هي‬                                                  ‫ممزو ٌج في الك ّل‪ ،‬الك ُّل ممزو ٌج فيه متما ٍه”(‪.)36‬‬
‫المسؤولة عن صياغة رؤية الذات بفرد ّي ٍة فنيّ ٍة حتى‬                                             ‫هذا المقطع من ن ّص من ديوان (رتق الهواء) الصادر‬
            ‫لو كانت الذا ُت معبّر ًة عن ع ّدة ذوات‪.‬‬
‫فالأنا الفنيّة تعبّ ُر عن ذا ٍت اشتبك ْت مع آخرين ع ْب َر‬                                                                        ‫عام ‪.)37(2006‬‬
                                                                                                   ‫هذا المقط ُع يحم ُل تاري ًخا مح ّد ًدا باليوم والساعة‪،‬‬
                                    ‫زم ٍن آخر‪:‬‬                                                   ‫مما قد يجع ُل القار َئ يتو ّهم أ ّنه يشير إلى حد ٍث ما‬
                                                                                                    ‫بعينه‪ ،‬لك ّن الحقيق َة أ ّن هذا التاري َخ مج ّرد أرقا ٍم‬
                                                            ‫«أنت‬                                    ‫افتراضيّ ٍة من ابتكار الشاعر الذي أراد أ ْن يقو َل‬
‫يا من حسب أ ّنه َع َب َر ك َّل الأشياء‬                                                             ‫إ ّن ذا َته تساف ُر ع ْب َر الأمكن ِة والأزمن ِة تتماهى مع‬
             ‫جل ْس َت وقتًا أطو َل‬                                                                 ‫الإنسان الآخر في أ ّي وق ٍت‪ .‬أو كأ ّن سعادة يري ُد‬
                                                                                                    ‫أ ْن يقو َل إ ّن الذا َت الإنسانيّ َة في جوه ِرها العمي ِق‬
         ‫في مقهى الماضي»(‪.)40‬‬
                                                                                                                                        ‫واحدة‪.‬‬
‫فالشاعر هنا يخاط ُب الآخر‪ ،‬وهذا الآخ ُر أغلب الظ ِّن‬                                                   ‫نح ُن إذن أمام ثلاثيّ ٍة للذا ِت والزم ِن والمكان‪.‬‬
‫المهاو نضفي ُساله اخلصشا ِبع ُرب اذلكذرييا ِتاهن‪.‬سلولخع ّلعنهذاحاالاضن ِفرهصلاي َقلي َم‬  ‫أ ّنه‬    ‫“المكان لا يأخ ُذ تشكي ًل في العالم الشعر ّي إلا عن‬
                                                                                         ‫في‬     ‫طريق الشاعر الذي يمن ُحه أهميّ َته وجماليّ َته‪ .‬فك ُّل ما‬
‫عن الحاض ِر هو ما دف َعه إلى الانفصا ِل عند ذا ِته‬                                               ‫يق ّد ُمه العال ُم الخارج ّي ليس سوى ماد ٍة خا ٍم خاليّ ٍة‬
‫نيقاخا ِططا ُبلمهاا وضريب‪،‬مافقيدحتاعك ُوم ُدهاإ‪.‬لبىلزقمدِن‬  ‫كمتكلّ ٍم‪ ،‬فيستدعيها‬                   ‫من التشكيل حتي يستجي َب الشاع ُر لها‪ ،‬فتتح ّول‬
                                                            ‫تذه ُب ذا ُته إلى أبع ِد‬               ‫الأمكن ُة إلى مظاهر انفعالا ِته وعواط ِفه‪ ،‬إذ يصب ُح‬
                                                            ‫الخلق الأول‪:‬‬                              ‫المكا ُن بؤر ًة لانفعالات الشاعر وعواطفه”(‪.)38‬‬
‫“هل كان عليك أ ْن تتعلّم ك ّل الكلما ِت‬                                                           ‫المكا ُن أح ُد تكوينا ِت الحياة التي تتفاع ُل معها ذا ُت‬
                                                            ‫لتقو َل فقط‬                           ‫الشاعر‪ ،‬و ُيصبح جز ًءا منها‪ ،‬قب َل أ ْن ُيصب َح جز ًءا‬

                        ‫ودا ًعا أيها الأصدقاء(‪.)41‬‬                                                                          ‫من نصوص الشاعر‪.‬‬
‫ذا ُت الشاعر هنا تتحاو ُر مع ذا ِت الآخر مع صور ِته‬                                             ‫أاذلامازِت امهال ُ‪،‬نزامول ُذنهذايفعنيلكايتقت ُتُفباهعبعلنذااهناتلا‪-‬لبشاالشعإارع‪،‬ضراوأفهكةنثإا ُرلكىت اعزلقنمي ًُدن ّا‪،‬اصل‪-‬فكتهامنابع ِةك‬
 ‫الأولى «آدم»‪ ،‬وتدر ُك أ َّن طبيع َة الحيا ِة هي الفراق‪،‬‬
                                                                                                                             ‫زمن التل ِّقي للقارئ‪.‬‬
   ‫فراق ذا ٍت عن ك ِّل شي ٍء‪ ،‬وكأ ّن الإنسا َن مخلو ٌق‬                                           ‫وتستطيع ذا ُت الشاعر أ ْن ترتح َل ع ْب َر الزمن‪ ،‬حتى‬
        ‫مفطو ٌر على الفراق والوداع‪.‬‬                                                             ‫في الأزمنة التي لم يع ْش فيها الشاع ُر كما أشرنا من‬
‫يقو ُل سعادة في ن ٍّص بعنوان «رفقة”‪:‬‬
‫“ كان لا يخر ُج إلا في الأيام المشمسة ليكو َن له‬                                                                                           ‫قبل‪.‬‬
                                     ‫رفيق‪:‬‬                                                           ‫لك ّن السؤا َل الذي طرحناه من قب ُل‪ ،‬هل تماهي‬
             ‫ظلُّه الذي يتب ُعه دائ ًما‪.‬‬                                                          ‫الذا ِت مع الآخر يعني اختفا َء خصوصيّتِها الفنيّة؟‬
‫ينظ ُر ورا َءه ليتح ّد َث إليه‪ ،‬ليبتس َم له‪.‬‬                                                        ‫الإجاب ُة بالقطع لا؛ فالذا ُت المبدع ُة فنيًّا لها كام ُل‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43