Page 37 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 37

‫كما يذه ُب الدكتور مصطفى سويف فالعلاق ُة‬                                                                                  ‫هبا ًء‪ ،‬رو ًحا ياب ًسا بحث عن قطرة‪ .‬وحين‬
‫بين الف ِّن والحيا ِة وطيد ٌة‪ ،‬والف ُّن منت ٌج ذات ٌّي‪،‬‬                                                                      ‫رمى نفسه من النافذة كان فقط لرؤية‬
 ‫لك ّن تلك الذا َت ليس ْت شيًئا خا ًّصا معزوًل عن‬
‫الوجود‪ ،‬خا ّص ًة ذات الفّنان الذي يستطيع أكثر‬                                                                            ‫قطرة دم‪ .‬دم ُيقال إ ّنه يسري في الأجساد!‬
 ‫من غيره أ ْن يشتب َك مع ذوات الآخرين‪ ،‬وربما‬                                                                             ‫لك ّن قطرة الدم ظلّت فوق‪ ،‬على الحا ّفة‪ ،‬بين‬

      ‫يتماهى معها‪ ،‬وذلك تب ًعا لقدرة الفّنان‬                                                                               ‫الداخل والخارج على الحدود التي ليست‬
   ‫على التحليق بالخيال‪ ،‬والمعايشة مع الآخر‬                                                                                                                 ‫لأحد‪.‬‬
 ‫باعتباِره إنسا ًنا في الأساس قبل ال ُمكت َسبات‬
 ‫الفكر ّية والبيئّية التي تجعل البع َض يتو ّهم‬                                                                               ‫لم يكن لي جسد‪ .‬لك ّن شيئًا غريبًا كان‬
  ‫أ َّن الإنسا َن ليس ساب ًقا على ك ِّل مكتسبا ِته‬                                                                                                   ‫يلتص ُق بي‪.‬‬

     ‫أ ّنها تفنى‪ ،‬فلتنطلق الأروا ُح ضاحك ًة‪ ،‬امتزا ُج الذوات‬                                                                         ‫هل كان ذاك الغريب جسدي؟‬
        ‫ع ْب َر التقا ِء الأرواح‪ ،‬وضحكها هو بطول ُة الإنسان‬                                                                ‫فلنضحك‪ ،‬لنفتح عظمتي فكينا ونضحك‪.‬‬
           ‫الحقيقيّ ُة‪ ،‬هذه البطول ُة لا يدر ُكها إلا المبدعون‬                                                              ‫ضحكتك الخارجة من عظمتين فارغتين‬
                                                                                                                       ‫ستكون أجم َل ما في هذا الن ّص‪ ،‬ص ِّد ْقنى أنت‬
      ‫كالشعراء الكتّاب؛ فأسمى مها ّم الكتاب ‪-‬فى تص ّور‬                                                                   ‫بط ُل هذا الن ّص‪ ،‬وإ ّنك بط ٌل ميت‪ .‬لكن حين‬
         ‫سعادة‪ -‬أ ْن يح ّركوا التراب‪ ،‬ويعيدوا الموتى إلى‬                                                                 ‫أري ُدك حيًّا يجب أ ْن تحيا‪ .‬ال ُكتّاب ُيح ّركون‬
         ‫الحياة عبر أرواحهم التي تتح ُد مع ذات المبدع‪.‬‬                                                                   ‫شخو َصهم كما يريدون‪ ،‬وعليك أ ْن تتح ّر َك‬
           ‫ذات المبدع تلك متقلب ٌة غي ُر مستق ّر ٍة على حال؛‬                                                           ‫كما أُري ُد حتى لو كن َت ميتًا‪ .‬لا تق ْل إ ّن النع َش‬
                                                                                                                  ‫ضي ٌق وصر َت ترا ًبا‪ .‬على ال ُكتّاب أ ْن يح ّركوا الترا َب‬
       ‫فالصو ُت الذي كان وسيل َة اتصال أ ّي ضفتين في‬                                                               ‫ويو ّسعوا النعوش‪ ،‬وعليهم أ ْن يعيدوا الأموات إلى‬
        ‫المقطع السابق‪ ،‬ها هو الصوت صوت الشاعر في‬
       ‫المقطع الآتي يحدث فصا ًما ما بينه وبين ذاته‪ ،‬أ ّي‬                                                                                             ‫الحياة”(‪.)33‬‬
                                                                                                                 ‫هل يث ُق القار ُئ في حسم‪ :‬من الذي يخاط ُبه سعادة؟‬
             ‫تش ٍّظ ذاك يمك ُن أ ْن ُيصي َب الذا َت الشاعرة‪:‬‬
       ‫“ممرنعصوو ًبتصاد‪،‬ياهم‪.‬ه‪.‬وناايزكًيحاايوطحلار‪،‬وفيلعهلّ‪،‬هوميحتعَدبجهر ّر‪ً .‬عدابومَرنالكجّلسثقر‪،‬لحح ِذت ًراى‬                                  ‫نفسه أم الآخر؟!‬
                                                                                                                      ‫قراء ُة الن ّص السابق المعنون بـ»محاولة وصل‬
                           ‫صوتي هناك وأنا هنا”(‪.)35‬‬                                                                   ‫ض ّفتين بصوت» من ديوا ٍن يحم ُل نف َس الاسم‬
      ‫تما ًما كما تنفص ُل الذا ُت عن الآخر‪ ،‬أو تتفاع ُل معه‪،‬‬                                                         ‫صدر عام ‪ )34(1997‬تض ُعنا أمام ع ّدة ملاحظا ٍت‬
       ‫أو تتماهى معه‪ ،‬فإ ّن الذا َت الواحد َة قد تنقس ُم على‬                                                         ‫وتساؤلا ٍت‪ ،‬ابتدا ًء بعنوان الن ّص‪ /‬الديوان الذي‬
       ‫نفسها‪ ،‬أو تتفاع ُل مع نفسها‪ .‬وهذا يحيلنا لصرا ِع‬                                                               ‫يحيلُنا إلى دلال ِة الصو ِت العظيمة كوسيل ٍة أولى‬
                                                                                                                 ‫للإنسان ‪-‬وغير الإنسان‪ -‬فى التعبير والتواصل مع‬
          ‫الشاع ِر النفس ّي الداخليّ الواضح لدى كثي ٍر من‬
                  ‫الشعراء‪ ،‬والواضح في المقطع السابق‪.‬‬                                                                                                    ‫أي آخر‪.‬‬
                                                                                                                      ‫هذا الصو ُت لا ُيمكن أ ْن تصد َره ذا ٌت لنفسها‪،‬‬
     ‫وهذا يجعلُنا نتساءل‪ :‬هل هناك فاص ٌل بين الإنسان‬                                                                  ‫بل هو وسيل ُة وص ِل أي ض ّفتين ف ّرق ْت بينهما‬
                         ‫الفر ِد وصو ِت الشاع ِر داخله؟‬
                                                                                                                                            ‫الجغرافيا‪ ،‬أو الأفكار‪.‬‬
                                                                                                                    ‫سعادة في هذا المقطع يق ّدم لنا الذا َت المحلّق َة ع ْب َر‬
                                                                                                                   ‫الروح‪ ،‬والمتخ ّففة من قيد الجس ِد الواحد‪ ،‬فالجس ُد‬
                                                                                                                    ‫محكو ٌم عليه أ ْن يظ َّل وحي ًدا‪ ،‬وهذا يعني في نظر‬
                                                                                                                  ‫وديع وتص ّو ِره أ ْن يظ َّل هبا ًء؛ فالأجسا ُد لا تتماهى‬
                                                                                                                     ‫ولا تتماز ُج‪ ،‬بعكس الأرواح؛ فالرو ُح يمك ُنها أ ْن‬
                                                                                                                      ‫تخر َج من قالب جس ِدها وتمتز ُج برو ٍح أخرى‪.‬‬
                                                                                                                   ‫وديع يفتّ ُش عن نقا ِط التقاء الإنسان ع ْب َر الأرواح‬
                                                                                                                 ‫التي لا تتناح ُر كالأجساد‪ ،‬وإ ْن كان ْت طبيع ُة الجس ِد‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42