Page 39 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 39

‫‪37‬‬                  ‫إبداع ومبدعون‬

                    ‫رؤى نقدية‬

                                                                                ‫يلتف ُت بخ ّف ٍة لئلا يغاف َله على‬
                                                                               ‫دحركاٍجياو ٍتيتمسلّش َلّو إقلٍةىلبئيلا ٍتييضخبجُر َره‬

                                                                                     ‫منه هذا الظ ّل ويهرب‪،‬‬

                                                                               ‫في الصباح يع ّد كوبين من‬
                                                                                    ‫الحليب‪ ،‬على الغداء ُيع ُّد‬
                                                                               ‫صحنين‪ ،‬وكان يعو ُد إلى بيته‬
                                                                                       ‫عند غياب الشمس‪.‬‬
                                                                                               ‫يقع ُد على حج ٍر‬
                                                                               ‫ويبكى حتي الصباح»(‪.)42‬‬

                                                                                       ‫الشاع ُر في هذا الن ِّص‬
                                                                                ‫في‬     ‫آخر‬     ‫يمسشته ٍحد أض ُشرب َهرفبي ُ ًقحال ِم‪/‬‬
                                                                               ‫يت ُّم‬  ‫يقظ ٍة‬
                                                                               ‫في وض ِح النهار تح َت ضو ِء‬
                                                                               ‫الشمس‪ .‬فهو يتخ ُذ من ظلِّه‬
                                                                                ‫رفي ًقا‪ ،‬في إشار ٍة حزين ٍة‬
‫عبد الواسع الحميري‬  ‫أدونيس‬                                        ‫محمد العباس‬  ‫إلى افتقا ِد ذا ِته رفق َة آخر‬

‫بالمدينة التي جاء منها‪ ،‬بالح ّمالين الذين أوصلوه إلى‬               ‫حقيق ّي‪ ،‬وكأ َّن الشاع َر يعلّ ُل نف َسه ويداويها قب َل‬
                                        ‫الغرفة‪،‬‬                    ‫أ ْن يداه َمها غرو ٌب قاد ٌم لا محال َة يعني له غيا َب‬

                ‫بالذين جلسوا عليه منذ عه ٍد بعيد‪،‬‬                         ‫الشمس‪ ،‬غيا َب الضوء‪ ،‬غيا َب رفيق آخر‪.‬‬
               ‫وما هم جمي ُعهم‪ ،‬واح ًدا بعد واحد‪،‬‬                 ‫يقو ُل الشاعر فتحي عبد السميع في كتابه الشاعر‬

                                       ‫يدخلون‪.‬‬                                                 ‫والطفل والحجر‪:‬‬
                      ‫نظر إلى يد ّيه‪ ،‬ث ّم إلى الحشد‬              ‫“لا تقتص ُر أحلا ُمنا على النوم‪ ،‬فهناك أحلا ُم اليقظ ِة‬
                    ‫فإلى المقعد بلو ٍم شدي ٍد وخرج‬                ‫التي تمن ُحنا هوا ًء جدي ًدا‪ ،‬كلما اختنقنا من العالم‪،‬‬
                                                                  ‫أو تذ ّك ُرنا بحيا ٍة أخرى أكث َر جما ًل من تلك التي‬
                        ‫صاف ًقا الباب وراءه”(‪.)44‬‬                 ‫نعيشها‪ ،‬أو تستشر ُف مستقب ًل أفض َل‪ ..‬أحلا ُم‬
‫عنوان الن ّص ُيحيلُنا إلى كثر ٍة من الناس‪ ،‬إلى تزاح ٍم‪،‬‬           ‫جز ٌء من أجزاء طبيعتِنا البشر ّية‪ ،‬أحلا ُم‬  ‫اليقظ ِة‬
                                                                  ‫راسخ ٌة في الغريزة‪ ،‬إ ّنها القصيد ُة التي‬   ‫اليقظ ِة‬
      ‫ما تلب ُث هذه الكثر ُة أ ْن تتب ّدد شيئًا فشيئًا مع‬          ‫تقتح ُمنا دو َن إراد ٍة منّا‪ ،‬تما ًما كالخلايا التي تداف ُع‬
 ‫قراء ِة سطو ِر الن ّص‪ ،‬فإذا بالحشد مج ّرد حش ٍد من‬                  ‫عنّا دون إراد ٍة منّا‪ ،‬والشع ُر هو الامتدا ُد الواعي‬
 ‫الخيالات تستدعيها ذا ُت سعادة التي تفتق ُد الآخر‪،‬‬                                   ‫بدرج ٍة ما لأحلا ِم اليقظة”(‪.)43‬‬
  ‫فما كان منها إلا أ ْن اصطنع ْت ذلك الآخر‪ ،‬وأوحى‬
‫لها ال َم ْق َع ُد الخالي المجاور‪ ،‬بك ِّل من شار َك في ص ْن ِعه‪،‬‬  ‫إذن كان سعادة يداف ُع عن ذا ِته بالشعر‪ ،‬يصطن ُع له‬
‫وك ّل من جلس عليه؛ فالذا ُت التي تعانى تلك الوحد َة‬               ‫رفي ًقا في وضح النهار‪ .‬يستم ُّر سعاد ُة في بحثِه عن‬
                                                                  ‫الآخ ِر عسى ذا ُته أ ْن تكتم َل‪ ،‬فيقو ُل في ن ٍّص بعنوان‬
         ‫صنع ْت في مخيّلتِها مدين ًة كامل ًة محتشدة‪.‬‬                                           ‫«الحشد»‪:‬‬
        ‫يتأ ّكد هذا المعنى لدى «سعادة» حين يقول‪:‬‬

                          ‫“جلس على الشرفة‬                                      ‫“تل ّم َس قما َش ال َم ْق َع ِد و َع َر َف أ ّنه ليس وح َده‬
                    ‫محاو ًل أ ْن يستعي َد وجو ًها‬                                       ‫أح َّس بفر ٍح غري ٍب وه َّم أ ْن ُيغنّي‪،‬‬
                                                                                       ‫لأ ّو ِل م ّر ٍة يشع ُر بجس ِد هذا ال َم ْق َعد‪،‬‬
                                ‫ليمل َأ حواليه‬
                                                                                ‫بالأيدي التي صنع ْته ور ّبما هي معه الآن‪،‬‬
                          ‫المقاع َد الفارغة»(‪.)45‬‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44