Page 33 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 33
31 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الإنسان السابق على كل مكتسباته ومعتقداته، حول الأحداث الوطنيّة العربيّة في النصف القرن
الأخير؟ بقي الشعر الذي اخترق الحد َث ُمح ّو ًل إ ّياه
وتلك الذات انحازت بالفعل ،وأعلنت انحيازاتها
إلى رم ٍز وهذا الذي بقي ضئي ٌل ج ًّدا بالقياس إلى
عبر نصوصها ،انحاز ْت للإنسان ،للحر ّية ،للإبداع، الك ّم الضخم الذي ُكتب»(.)20
لذلك بقى إبداع الذات أطول من آلامها ،وبقيت تلك
النصوص تحمل فاعليّ ًة حي ًة إبدا ًعا وفك ًرا ،سواء أدونيس كتب هذه الآراء قبل 1985زمن صدور
استغ ّل الإنسا ُن عمو ًما والمثق ُف تحدي ًدا تلك الفاعليّة كتابه كما أش ْرنا من قب ُل ،أي أ ّن سعادة ممن دعوا
كي يقاو َم عودة القبح ويعلو بإنسانيّته أو ل ْم إلى ذلك سوا ًء قرأ كلام أدونيس أم لا ،فلا شي َء
يستغل ،فقد أ ّدت تلك الذات مهم َتها إبداعيًّا أو ًل. يتف ّو ُق على الذات الشاعرة عند سعادة.
على ضوء ذلك يمك ُننا أ ْن نتّسع بمفهوم الإبداع
في علاقتِه بالذات كي يخرج عن الإطار الضيّق فهو وأ ُّي شاع ٍر حقيق ٍّي تحك ُم ُه ذا ُت ُه الشاعرة،
اعللتيهج ّبلأ ّانلهأاولإلبدلالإعبادلافعن ّيظهفوح ًرا،س يب.سفباقلهإبداع المتعار ِف وليس هو الذي يحكمها؛ فهو يؤمن بأ ّنه «لا وظيف َة
الفن ّي هو للإبداع إلا الإبداع .لا يعني هذا أ ّن الشاع َر حياد ٌّي
إوبدوا ٌجعدات ِنأه،سيهوس ٌّيرؤفيي ُتهذالتجاولمهبدرعماعبرسيطضرمحيهِرهفنّويًّاف،كثِرمه أو يج ُب أ ْن يكون حياد ًّيا ،بل يعنى أ ّنه لا يجو ُز أ ْن
قدر ُته على تشكيل تلك الرؤية إبدا ًعا داخل بوتقه ُيخض َع كتاب َته للمقتضيات الأيديولوﭼ ّية والسياسيّة
ذاته ،ينتج عن ذلك الإبدا ِع الفن ِّي تجليّا ٌت ع ّدة في
عالم الواقع لا المجاز. ولمستلزمات الإيصال والعادة السائدة في طرق
لم يتو ّق ْف اندما ُج الذات والآخر عند سعادة في إطار الكلام .فليس الانحياز في الشعر أ ْن يسوغ أو
تم ُّث ِل الحرب اللبنانيّة وآثارها الكارثيّة فحسب ،بل يدافع ،أ ْن يمدح أو يهجو ،أ ْن يعلم ويبشر ،وإنما
امت ّد هذا الاندماج ليصبح تجليًا شدي َد الأهميّة في عبر تغييرها ،مجاز ًّيا ،تنشأ صو ٌر وطاقا ٌت لتغيير
التأكيد على فكرة أنسنة ك ّل شى ٍء حول وديع. العالم ،ماد ًّيا .دون ذلك لا يكو ُن الشاعر كاتبًا أي
يمارس التعبير عن طاق ٍة خ ّلق ٍة وف ّعال ٍة ،وإنما يكون
يقول سعادة في نص بعنوان «الألم» من ديوانه مستكتبًا يقوم بوظيف ٍة مح ّددة .إ ّن دو َر الشعر في
«غبار» الصادر :)22(2001 شعر ّيته ذاتها.
في كونه خر ًقا مستم ًّرا لل ُمع َطى السائد .وإذا كان
“ إ ْن أمكن تعريف التاريخ يمكن القول :إنه تاريخ لا ب ّد من الكلام على انحيا ٍز ما أو التزام ،في هذا
الألم. الصدد ،فإ ّنه الانحياز إلى الحرية الكاملة في إبداع
هذا الخرق ،هنا تكمن اختلافيّة الشاعر ،أي فرادته،
ألم الفرد وألم الجماعة .ألم الارتباط وألم الانشطار.
وهنا تكمن فاعليّته وفاعليّه الشعر»(.)21
ألم الذات من الآخر وألمها من ذاتها .ألم الناس وألم هل نظرة أدونيس صادمة؟ هل يتص ّور البع ُض أ ّنها
الأرض .فالأرض ،مثلما تتأ ّل المخلوقات منها ،تتألم
نظر ٌة غي ُر سامي ٍة خا ّص ًة لو تعلّق الإبداع بقضايا
هي من المخلوقات ..وعلى هذه الجروح المتبادلة الوطن أو الضمير؟ يرى البح ُث أ ّن أدونيس لم يك ْن
مغاليًا حين ذهب أ ّنه لا وظيف َة للإبداع إلا الإبداع!
ترصف عمارة التاريخ»(.)23 بشرط أن يفهم القارئ جيّ ًدا المفاهيم المتسعة لكلمة
التاريخ أكبر ما يحت ّل الذاكر َة وأه ُّمه ،يوجزه سعادة
في الألم .مستخد ًما ثنائيا ٍت تبدو للوهلة الأولى أ ّنها إذبادِتا ِهع،وهفيشاتعتنٌراوم ُثللكارسثع َاةداةل،حعرندبماالأتهتلعيّ ّدةدالألبنصانوايّةُ،ت
متضادة ،والحقيق ُة غي ُر ذلك .ربما يتص ّور البع ُض علينا أ ْن ندرك أ ّن سعادة لم يحم ْل مدف ًعا ويشارك
أ ّن الذا َت أال ّنشاهذعار َةموتقمت ٌلف ُكترشاؤيؤ ًةم ٌّىسومدان اولّي ًةشاماع،ر،ل أك ّون
الأم َر قد في الحرب ،ولم يطلق ُحنجر َت ُه بعبارا ٍت رنا ّن ٍة في
يبدو خلاف ذلك ،وفكر ُة الألم ذاتها ليست بجديد ٍة خطب إصلاحيّة ،بل إ ّن ذاته الشاعرة تسيّدت
على البشر ّية ،بل لها حيّ ٌز كبي ٌر من الأهميّة في
المعتقدات البشر ّية ،فالديان ُة المسيحيّ ُة مث ًل ،يؤم ُن الموقف وأنتجت إبداعها ،الذي يعلو على تفسخات
معتنقوها بك ّم الآلام التي كابدها المسي ُح في سبيل الأيدلوﭼية والطائفية ،محاولة تلك الذات الشاعرة
أ ْن تنتج رؤي ًة جديد ًة خ ّلقة للعالم تتمحور حول