Page 28 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 28
العـدد 27 26
مارس ٢٠٢1
القاس ُم المشتر ُك الأكب ُر بين جميع -الهوا ُء هو في الوقت نف ِسه عن وجود غي ِره ،بل إ ّن وجو َد الغير
جن ٍس ولون ،فلا حدو َد للهواء ،ولا البشر من ك ّل شر ٌط لوجوده الذات ّي»(.)3
كتبّل ًعاهلذأا ّيحتديما ُيث ٍزودطيبقع ّي،ع أنوالأطارئفضّي.،
درجات له نفس الأمر نج ُده عند هيدجر*“ :إ ّن الانتقا َل من
-يتو ّسط الفرد ّية إلى الجماعة عند هيدجر ،لاب ّد أ ْن يم َّر ع ْبر
وتكرا ُره لعبارة «هذي هي الأرض» لم يكن عفو الإغراق في الفردانيّة أو ًل ،حينئ ٍذ يكون مقاومة
الخاطر ،بل دلال ًة عميق ًة على قيمة الأرض ،ملتقى الفردانيّة ،دفا ًعا عن الجماعة”(.)4
الإنسان والحياة. “ ولا يبتعد هيدجر عن هيجل* الذي آمن بأ ّن
وع َينا الذات َّي موجو ٌد لوجو ِده عند الآخرين ،وأ ّننا
في ديوان وديع الأول» ليس للمساء إخوة» وجدناه يجب أ ْن نعي َش للآخرين لكي نعيش لأنفسنا”(.)5
يصنع ذا َته من خلال الآخر :الأب ،الأم ،ناس القرية
كما اتضح في الفصل الأول ،والحديث عن شعر ّيته إذن لو ت ّم الفصل بين الذات وبين الآخر لكان
الأولى ،وهذا لا يعني انفصال ذا ِته عن الآخر، فص ًل تعسفيًّا يجافي طبائع الأمور ،أو ربما كنّا
أمام حال ٍة أنو ّية لا ترى إلا ذاتها ،وهو ما لا يتّفق
فوديع يك ّرس شعر ّيته للإنسان ،أو يك ّرس الإنسا َن مع وديع إنسا ًنا وشاع ًرا وإ ْن كان لا فر َق بينهما.
لشعر ّيته. ولا يمك ُن في هذا الفصل من الكتاب أ ْن نقارن بين
إ ّن ُه يتح ُد مع الآخر أ ًّيا ما كان مكانه ،أو زمنه ،أو ماهو ذات ّي ،وما يخ ّص الآخر ،وإلا ناقض الفصل
كونه على قيد الحياة أم لا ،كل هذا يتح ُد مع ذا ِته نفسه .فالحدي ُث عن الذات والآخر في شعر سعادة
مع الأنا الشاعرة لديه:
“ احتل ْت بع ُض الأماكن ،وبع ُض الأزمن ِة مكان ًة
مهم ًة ،ومؤثر ًة في الأنا الشعر ّية العربيّة ،بحيث هو حديث عن ظاهرة واحدة لها تجليّات ع ّدة،
وليس ظاهرتين.
أصبح ْت هذه الأمكن ُة والأزمن ُة ُتحد ُث وق ًعا
شدي ًدا في نفس الشاعر والمتل ّقي م ًعا ،سواء أكانت يقول سعادة فى ديوانه» المياه ..المياه”:
هذه الأمكنة والأزمنة واقعة في الحضور أم في “ ها أنا أمشي وحي ًدا تحت المطر
أمشي وحي ًدا وأهتف:
الغياب»(.)7 هذي هي الأرض ،هذي هي الأرض
وسواء أكانت تلك الأمكن ُة والأزمن ُة واقع ًة في
مولود جديد
الحضور أم الغياب ،فنحن إذن أمام المكانة والأثر، يتع ّر ُض الآن للهواء»(.)6
وليس أمام المكان والزمن فقط ،ففي ظنّي لن يعلن وديع أ ّنه يمشي وحي ًدا ،مستخد ًما صيغ َة
المضارع «أمشي» الدالّة بالطبع على الاستمرار،
يكتسب المكان والزمن كامل المشروعيّة إلا بوجود
إنسان ،ولن تتح ّقق ذات الإنسان (الذات /الأنا) لك ّن مشيه وحي ًدا لا يتعار ُض مع ممارسته الحياة،
وتشبّعه بها ،فيكفي أ ّنه يمشي تحت المطر.
بدون الآخر.
يقول وديع سعادة في ن ٍّص بعنوا ٍن لاف ٍت للنظر لك ّن اللاف َت للنظر ع ّدة أمو ٍر تنفي عنه الوحد َة
بعض الشيء ،وهو «البحث عن عميل» من ديوانه الظاهر ّية المخادعة شعر ًّيا ،وهي:
-دوام المشي تحيلُنا إلى أ ّنه يمشي من نقطة ما ،إلى
(رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات) نقط ٍة ما أخرى ،أي أ ّن هناك غاي ًة لهذا المشي ،وأ ّنه
والصادر عام :)8(1985
“وأي ًضا قطا ٌر عائ ٌد من الحرب بجث ٍث أجال ُسها سعى نحو وصو ٍل ما.
ونحتسي القهوة.
هناك عمي ٌل بين المسافرين -المط ُر أذان السماء إلى الأرض حي على الحياة.
-الهتا ُف لا يكون إلا لإعلان أم ٍر ها ٍّم في حشود ،أو
يجب أ ْن أج َده في الحال لمناداة بعي ٍد طال انتظا ُره.
عمي ٌل يأخ ُذني فو ًرا إلى رأس العالم وكلاهما من أ-برالزموتلوجلُّديّاالتجادلي ُدحيايتة،ناوغ ُمكلاوالهمماطر تصماخ ًماب،،
في هذه اللحظة يجب أ ْن يت ّم ك ُّل شيء صخب رذاذ
انفجا ٌر يودي بالعجلات المطر ،صخب الأخضر ،ضخب صراخ المولود.