Page 27 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                                         ‫عمرو الشيخ‬

     ‫في شعرية وديع سعادة‪:‬‬
    ‫التماهي بين الذات والآخر‪،‬‬

             ‫وهيمنة الأنا الفن ّية‬

      ‫مفهوم الذات ي ّتس ُع لدى وديع ليشم َل الأطرا َف المتنازعة‪ ،‬ليشم َل الآخر‬
           ‫أ ًّيا ما كان تو ّج ُهه‪ ،‬حتى لكأ ّن سعادة يريد أ ْن ُي َن ِّب َه الإنسا َن إلى أ ّن‬

       ‫إنسان ّي َته سابق ٌة على ك ّل مكتسبا ِته‪ ،‬لذلك لم يكتر ْث إلى نتيجة الحرب‬
    ‫مع أ ّي طر ٍف لأ ّن لديه خاس ًرا قري ًبا في الإدراك هو لبنان‪ ،‬وخاس ًرا يحتاج‬

        ‫تأوي ًل أعم َق هو الإنسان‪ .‬يتجلّى أث ُر هذه الحر ِب في شعر سعادة في‬
         ‫أكثر من موض ٍع‪ ،‬وخا ّص ًة في ديوانيه «رجل في هواء مستعمل يقعد‬
    ‫ويفكر في الحيوانات» الصادر ‪ ،1985‬والآخر هو ديوان «مقعد رجل غادر‬

                                                   ‫الباص» الصادر ‪.1987‬‬

 ‫أحاسي َس لا موضوعات‪ .‬والكتاب ُة تعني بالنسب ِة له‬           ‫سأل الكاتب الصحف ّي «طامي محمد» الناق َد‬
   ‫حال ًة من حالات توسيع الذات وإفساح المدى لها‬
                                                           ‫السعود َّي «محمد العبّاس» في حوا ٍر أجراه معه في‬
‫للحضور والتم ُّثل‪ .‬والس ّر على ما نظ ّن يكم ُن في كون‬     ‫صحيفة الاتحاد عام ‪ ،2009‬هذا السؤال‪“ :‬الذاتيّة‬
 ‫الذات المصعوق ِة بمفارقا ِت الوجود‪ ،‬كما يمثّ ُل وديع‬
  ‫بعض تجلّياتها‪ ،‬تتو ّحد مع الألم داخ َل الكتابة‪ .‬إ ّنه‬      ‫المُفرطة التي يكتب بها وديع‪ ،‬وهي ليست ُتم ّجد‬
                                                           ‫الذات‪ ،‬أو ُتب ّجلها‪ُ ،‬كتب ْت بحال ٍة موغل ٍة في الشفافيّة‪.‬‬
    ‫لا يكت ُب لكي يتط ّهر‪ ،‬بل ليدلّل بمفردات (العبور‬        ‫كيف ترصد أثر هذه الذاتيّة على ن ّص وديع؟”(‪.)1‬‬
‫والعدم والنسيان والغياب) التي هي بمثابة أيقوناته‬          ‫فكانت إجاب ُته‪ “ :‬وديع سعادة الذي يجال ُس العدم‪،‬‬

         ‫اللفظيّة على اعتناقه للغة لكي لا ينسى»(‪.)2‬‬            ‫يكت ُب بذاتيّ ٍة على درج ٍة من الشفافيّة والتج ّل‪،‬‬
 ‫هنا يطرح محمد العباس مفهو ًما للذاتيّة في شعرية‬         ‫وليس بأنو ّي ٍة‪ ،‬إ ّنه يحتفي بذا ِته مع الآخرين‪ ،‬وليس‬
‫وديع سعادة بأ ّنه لا يعني الأنو ّية‪ ،‬بل يتّسع مفهوم‬
                                                            ‫في المنفى الشخص ّي بمعز ٍل عنهم‪ ،‬فذا ُته الرهيف ُة‬
    ‫الذات لديه ليشمل الآخر أي ًضا‪ ،‬وهذا يلتقي مع‬         ‫اله ّشة عاطفيًّا تذو ُب بين الكلمات ولا تطفو أنا ُه بأ ّي‬
  ‫مفهوم الذات لدى الفلسفة الوجود ّية‪“ :‬أ ّما الذات‪،‬‬       ‫معنى من المعاني على سطح الن ّص‪ .‬وهذه سم ٌة من‬
‫من وجهة نظر الوجود ّية‪ ،‬فلا يرى سارتر ضرور ًة‬             ‫سمات الكائن القادر على المكاشفة واستجلاء أغوا ِر‬
  ‫بأ ْن تنحص َر في الذات الفرد ّية‪ ،‬دون معرف ٍة للغير‪،‬‬
  ‫وعنده الذي يكشف عن وجود نفسه‪ ،‬إنما يكش ُف‬                ‫نف ِسه من خلال اللغة‪ ،‬فهو لا يخا ُف من الألم‪ ،‬بل‬
                                                           ‫يعي ُد عج َنه وتشكي َله فى لغ ٍة ح ّد التهور‪ .‬إ ّنه كات ُب‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32